1435/1/18
حديث (لعن الله الواصلة والمستوصلة ..) عَنْ أَسْمَاءَ بِنْتِ أَبِي بَكْرٍ قَالَتْ : جَاءَتْ امْرَأَةٌ إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَتْ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ لِي ابْنَةً عُرَيِّسًا أَصَابَتْهَا حَصْبَةٌ فَتَمَرَّقَ شَعْرُهَا أَفَأَصِلُهُ فَقَالَ: «لَعَنَ اللَّهُ الْوَاصِلَةَ وَالْمُسْتَوْصِلَةَ » . (1) السائلة: امرأة من الأنصار لم أقف عليها ، قال الشيخ أبو ذر أحمد ابن أبي الوفا: لا أعرفها (2) . غريب الحديث: عُرَيِّسًا: العين والراء والسِّين أصل واحد صحيح ، وهو الملازمة (3) . والعَرُوسُ : نعت يستوي فيه الرجل والمرأة ما داما في أعراسهما ، يقال: رجل عروس ، وامرأة عروس ، وهو أول الابتناء بها ، ونساء عَرَائِس ، وتصغيرها: عُرَيِّس، اسم مؤنث ولم تلحقه تاء التأنيث(4) . تمرَّق: الميم والراء والقاف أصل صحيح يدلُ على خروج شيءٍ من شيء (5) . يقال: مَرَق شعرها وتمرَّق وامَّرق إذا انتشر وتساقط من مرضٍ أو غيره. وتمرَّق وتمرّط بمعنىً وكذلك تمعّط أي انتتف، وتمزق قريب من المعنى وهو خروج الشعر من أصله وإن كان لا يستعمل في الشعر حال المرض (6) . الوَاصِلَة: الواو والصاد واللام أصل واحد يدلُّ على ضمِّ شيءٍ إلى شئٍ حتى يَعْلَقَهُ. والوَصْل خلاف الفَصْل ، والواصِلَة: التي تصل الشعر بشعر آخر زورًا ، والمستوصلة: التي تأمر من يفعل بها ذلك (7) . حَصِبَةٌ: الحاء والصَّاد والباء أصل واحد، وهو جنسٌ من أجزاء الأرض، ثم يشتق منه، وهو الحصباء، فأمَّا الحَصْبَةُ فَبَثْرَةٌ تخرج بالجسد، وهو داء معروف يظهر في الجلد ، مُشبَّه بالحَصْباءِ (8) . من الفوائد : 1/ لهجة هذه الأم الحنون تفيء بظلال العاطفة والمحبة الوارفة، وهي تستأذن رسول الله صلى الله عليه وسلم في وصل شعر ابنتها الناقهة من المرض، حديثة العهد بالعرس. إن المشاعر الجيَّاشة التي تضطرب في فؤاد تلك الوالدة والرغبة الجامحة لتزيين بُنَيَّتِها وتحقيق فرحتها لم تسوِّغ لها إرتكاب المنكر ... !! فلم تطب نفسًا (بالوصل) بحجة الجهل بالحكم، أو احتياج العُريِّس إليه واشتياق زوجها إليها، بل أتت تستفتي رسول الله صلى الله عليه وسلم راضية بحكمه مسلمة لأمره. وقد أثنت عائشة - رضي الله عنها – وهي تروي هذا الحديث – على نساء الأنصار، وذكرت ما كُنَّ عليه من الورع والتقوى. وما أحوجنا في هذا العصر – الذي شاع فيه حبُّ الملذَّات وإرضاء الشهوات بالمحرمات – أن نطوِّع أنفسنا ونوطنها لما يرضي ربنا عزَّ وجل، ونجعل هوانا تبعًا لسنة نبينا صلى الله عليه وسلم . 2/ فيه النَّهي عن وصل الشعر بمثله، مطلقًا للعروس وسواها، وأنه من الكبائر المتوعَّد عليها باللعن، مع إجماع الأمة على تحريمه (9) . 3/ اختلف العلماء في « الوِصْلات » المحرمة والمباحة على أقوال (10) : أ- مذهب الجمهور ومالك واختيار الطبري والنَّووي و المرُّوزي و المازري وقول ابن مسعود وابن عمر وعائشة - رضي الله عنهم -، وغيرهم منعُ وصل الشعر بشيء آخر مطلقًا سواء كان شعرًا أو وبرًا أو صوفًا أو حريرًا أو خرقة ونحوها. وسواءً كانت المستوصلة مزوّجة أو غير مزوّجة، قال النووي: وهو الظاهر المختار . وأدلتهم: 1- حديث المتن بشواهده ومتابعاته، وهي: «لعن الله الواصلة والمستوصلة » وفي رواية: « أفأصل فيه؟ فنهاها » وفي رواية: «فسَب رسول الله الواصلة » وهي تفيد التحريم للوصل مطلقًا. 2- حديث جابر -رضي الله عنه - قال: «زَجَرَ النبَّي صلى الله عليه وسلم أَنْ تَصِلَ المرْأَةُ بِرأْسِهَا شَيئًا»(11). و(شيئًا) نكرة في سياق النهي فتعمّ كل نوعٍ وصنف يستعمل للوصل . 3- ما رواه سعيد بن المسيب – رحمه الله -: أن معاوية قال ذات يومٍ: إنَّ نبي الله صلى الله عليه وسلم نهى عَنْ الزُّورِ، قَالَ: وَجاءَ رَجُلٌ بعصًا عَلَى رَأْسِهَا خِرْقَةٌ، قَالَ مُعاويةُ : أَلاَ وَهَذا الزُّورُ. قَال قَتَادَةُ: يَعْنِي ما تُكثِّر بِهِ النِّساءُ أَشْعَارهُنَّ مِنَ الخِرقِ (12). وهذا عامٌ لكل وِصْلةٍ تتخذها المرأة لتكثير شعرها زورًا وتدليسًا. ب- وذهب أحمد والليث بن سعد، وكثير من الفقهاء، وهو مروي عن ابن عباس (13) وأم سلمة زوج النبي صلى الله عليه وسلم ، ذهبوا إلى جواز وصل الشعر بغيره من خرقة ونحوها، وأن الممنوع هو وصل الشعر بالشعر. أدلتهم: 1- عن سعيد بن جبير قال: « لا بَأْسَ بِالقَراَمِلِ » قال أبو داود: كأنه يذهب إلى أن المنهيَّ عنه شعور النساء(14) ، والقراملُ؛ جمع قَرْملة، بفتح القاف وسكون الراء، نباتٌ طويل الفروع، ليِّن، والمراد به هنا خيوط من حرير أو صوف يعمل ضفائر تصل به المرأة شعرها. 2- ما روى عبد الرحمن بن عوف أنه سمع معاوية بن أبي سفيان عام حجٍّ وهو على المنبر، وهو يقول: وتناول قُصَّةً من شعرٍ كانت بيد حرسيٍّ: أين علماؤكم؟ سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم ينهى عن مثل هذا ويقول: « إنما هلكت بنو إسرائيل حين اتخذ هذه نساؤهم »(15) . 4/ قال القاضي عياض – رحمه الله -: ربط الشعر بخيوط الحرير الملونة وشبهها مما لا يشبه الشعر ليس من الوصل، ولا هو مقصده، وإنما هو للتجميل والتحسين وشد خصلات الشعر وتهذيبه بها، كما يشد منه في الأوساط، ويربط من الحلي في الأعناق، ويجعل في الأيدي والأرجل (16) . فكل ما تشد به رأسها بغير الشعر فلا بأس به لأن الحاجة داعية إليه، ولا يمكن التحرز منه، ولا هو في معنى مقصود الوصل والتزوير وإنما للتجمل والتحسين والترتيب (17) . 5/ مما قيل في الحكمة من تحريم الوصل: - ذكر الخطابي وابن العربي والطبري – رحمهم الله - وغيرهم: ما فيه من تغيير الخلقة التي خلقها الله سبحانه بزيادة في الطول أو الغزارة وهو باب من الفساد عظيم (18) وقد خلق الله سبحانه الصور بأحسنها وفاوت في جمالها لحكم يعلمها، وفي التغيير تعدٍ على صنع الله تعالى يبقى أثره على الفاعل ولا يزول سريعًا. - و لأن فيه استعمال شعر الآدمي، والانتفاع به محرّم وكذا سائر أجزائه لكرامته، أو فيه استعمال المختلف في نجاسته، وحمله إياه في الصلاة وغيرها. فهؤلاء نظروا إلى أن المحرم الموصول به لا فعل الوصل (19) . - قال ابن المنذر – رحمه الله -: ليس التحريم للنجاسة، ولكنه تعبدُّ، تتعبد به النساء كباقي الأحكام التعبدية (20) . - قال القاضي عبد الوهاب – رحمه الله -: المعنى فيه أنه غرر وتدليس (21) وهو خداع للزوج وزور وكذب. - و قيل ما فيه من التشبه باليهود، وهلاك بني إسرائيل بسبب إتخاذها نساؤهم. 6- ليس على المرأة طاعة زوجها فيما يأمرها من معصية كوصل الشعر وغيره (22) . 7- فيه أن من أعان على معصية فهو شريك له في الإثم (23) . 8- فيه جواز اللعن بالوصف، لا بالتعين، كلعن الظالمين والكافرين وغير ذلك مما جاءت به النصوص الشرعية، واللعن الوارد في الحديث إخبار من الرسول صلى الله عليه وسلم بأن الله سبحانه لعن هؤلاء، لا دعاء منه صلى الله عليه وسلم عليهم، ويتحمل الأمران معًا لاستحقاقهم هذا الوعيد (24) . 9- تحريم الوصل يشمل النساء والرجال معًا وإنما أنث الفاعلة في الحديث لأن الغالب أن المرأة هي الفاعلة الطالبة الراضية (25) أو باعتبار النفس فيدخل في المنهي عنه وصل اللحى والشوارب والأهداب والحواجب وغيرها - والله أعلم - .
-
تصلك هذه الرسالة لكونك مشتركاً في القائمة البريدية لموقع شبكة السنة النبوية وعلومها.
-
لإلغاء الإشتراك من القائمة البريدية يرجى الدخول إلى الصفحة الرئيسة لموقع شبكة السنة النبوية وعلومها:انقر هنا...
-
تصلك هذه الرسالة من بريد مخصص للإرسال فقط، إذا كان هناك أي استفسار أو تعليق انقر هنا...
-
لدعوة أصدقائك لزيارة موقعنا انقر هنا...
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق