1436/1/20
حديث (مَا مِنْكُنَّ امْرَأَةٌ تُقَدِّمُ بَيْنَ يَدَيْهَا مِنْ وَلَدِهَا ثَلاَثَةً...) عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الخدري قال: جَاءَتْ امْرَأَةٌ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَتْ يَا رَسُولَ اللَّهِ ذَهَبَ الرِّجَالُ بِحَدِيثِكَ فَاجْعَلْ لَنَا مِنْ نَفْسِكَ يَوْمًا نَأْتِيكَ فِيهِ تُعَلِّمُنَا مِمَّا عَلَّمَكَ اللَّهُ فَقَالَ: «اجْتَمِعْنَ فِي يَوْمِ كَذَا وَكَذَا فِي مَكَانِ كَذَا وَكَذَا » فَاجْتَمَعْنَ فَأَتَاهُنَّ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَعَلَّمَهُنَّ مِمَّا عَلَّمَهُ اللَّهُ ثُمَّ قَالَ: « مَا مِنْكُنَّ امْرَأَةٌ تُقَدِّمُ بَيْنَ يَدَيْهَا مِنْ وَلَدِهَا ثَلاَثَةً إِلاَّ كَانَ لَهَا حِجَابًا مِنْ النَّارِ » فَقَالَتْ امْرَأَةٌ مِنْهُنَّ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَوْ اثْنَيْنِ قَالَ فَأَعَادَتْهَا مَرَّتَيْنِ ثُمَّ قَالَ: «وَاثْنَيْنِ وَاثْنَيْنِ وَاثْنَيْنِ ». (1) السائلة للموعظة: قال ابن حجر – رحمه الله -:لم أقف على اسمها ويحتمل أن تكون هي: أسماء بنت يزيد بن السكن (2) . السَّائِلة عنْ جَزاء مَنْ فَقَدتْ اثنين، من ولدها: هي: أمُّ سُلَيْم بنت ملحان - رضي الله عنها - والدة أنس بن مالك - رضي الله عنه - تقدمت ترجمتها في الحديث (1). روى الطبراني في الكبير (25/126ح 305) بسنده عن عمرو الأنصاري قال: سمعت أم سليم تقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «ما من مسلمين يموت لهما ثلاثة أولاد لم يبلغوا الحنث إلا أدخلهم الله الجنة بفضل رحمته إياهم ». فقلتُ : واثنان؟ فقال: « واثنان ». قال ابن حجر – رحمه الله -: إسناده جيِّد (3). وقال الهيثمي – رحمه الله -: فيه عمرو بن عاصم الأنصاري ؛ لم أجد من وثقه ولا من ضعفه، وبقية رجاله رجال الصحيح (4) . وقيل هي: أمُّ مبشِّر الأنصارية - رضي الله عنها -. رواه الطبراني في الكبير (25/103ح 270) بسنده عن عمرو بن شعيب عن سعيد بن المسيب عن أم مبشر أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لها: « يَا أمَ مُبَشّرِ مَنْ كَانَ لَه ثَلاثَةُ أَفْرَاطٍ من وَلَدِه أَدْخَلَهُ اللهُ الجنةَ بِفَضْل رَحْمتِهِ إيَّاهُم، وَكَانَتْ أَمّ مبشّرٍ تطْبخُ طَبِيخًا. فقالت: أو فرطان؟ » .فقال: « أو فَرْطَانِ ». قال الهيثمي : وفيه المثنى بن الصبّاح وهو: ضعيف (5) . وقيل هي: أم أيمن الصحابية - رضي الله عنها -. روى الطبراني في الكبير (2/245) بسنده عن جابر بن سمرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « مَنْ دَفَنَ ثَلاثَةً مِنَ الوَلَدِ فَصَبَر عَلَيهم وَاحْتَسَبَهُم وَجَبَتْ لَهُ الجنَّة » فقالت: أمَ أيْمنِ: أو اثنين؟ قال: « وَمَنْ دَفَنَ اثنيَنِ فَصَبَر عَليهما واحتَسَبهُما وَجَبتْ لَهُ الجنةُ » فقالت أم أيمن: أو واحد؟ قال: فسكت أو أمسك. فقال: سمعت أم أيمن تقول: من دفن واحدًا فصبر واحتسب كانت له الجنة. قال الهيثمي: وفيه ناصـح بن عبدالله أبو عبدالله وهـو متروك (6)، والراجح أنَّها أم سليم - رضي الله عنها – لقوة إسناد حديثها. والله أعلم. مِنْ فَوَائِد الحديث: 1/ في الحديث بيان ما كان عليه نساء الصحابة وخاصة نساء الأنصار - رضي الله عنهم - من الحرص البالغ على تعلم أمور الدِّين، وحضور مجالس العلم والحكمة، والتشرف بسماع الحديث مباشرة من النبي صلى الله عليه وسلم (7) . 2/ وفيه جواز مكالمة المرأة الرجل فيما تحتاجه من أمور دينها، وقد أُخِذَ العلم عن أزواج النبي صلى الله عليه وسلم، وعن غيرهنَّ من نسَاءِ السلف (8) . 3/ وفيه جوازُ اختصاص النساء بوقت ينفردن فيه بالعالم لتعليمهن وموعظتهن كما استجاب النبي صلى الله عليه وسلم لرغبة النساء، ووعدهن يومًا يأتيهن فيه فوَّفى وعده ففقَّههن ونصحهن، وسألنه فأجابهن مما علمه الله جلَّ وعزَّ. ولذا ترجم البخاري – رحمه الله - للحديث: باب هل يجعل للنساء يومًا على حِدةٍ في العلم. لتعذر ملازمتهن مجالس النبي صلى الله عليه وسلم تحرجًا من مخالطة الرجال . 4/ الصبر على المصائب واحتسابها عند الله سبحانه سبب لتكفير الخطايا، ومغفرة الذنوب وزيادة الحسنات، وصبر الوالدين على مصيبة (موت الولد) والرضى بها سبب لنيل الأجر العظيم الوارد في الحديث (وهو الاحتجاب عن النار) . قال المناوي - رحمه الله - : وظاهر الحديث حصول الثواب الموعود وإن لم يقارنه صبر(9) وهو مردود فإن الأحاديث المطلقة محمولة على الأدلة المقيدة بالصبر والاحتساب. قال تعالى: (وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِّنَ الْخَوفْ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِّنَ الأَمَوَالِ وَالأنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ * الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ قَالُواْ إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّـا إِلَيْهِ رَاجِعونَ ) (10) . وروى النسائي، (2211 ح 1873) بسنده عن أنس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:( من احتسب ثلاثة من صُلْبِهِ دَخَل الجنّة » فقامت امرأةُ فقالت: أو اثنانِ؟ قال: « أو اثنان » قالت المرأة: يا ليتني قلت واحدًا ) . ورواه ابن حبان في صحيحه في: كتاب الجنائز، باب: ما جاء في الصبر، ذكر البيان بأن الله إنما يحرم النار على من مات له ثلاثة من الولد فاحتسب في ذلك ورضي، دون من يسخط حكم الله (7/205ح 2943) ، وإسناده حسن ، وله شاهد من حديث جابر وعقبة بن عامر وأبي هريرة وغيرهم – رضي الله عنهم -. 5/ المراد بلفظ (الولد) الوارد في الحديث هو الصغير الذي لم يصل سن البلوغ - كما في الزيادة المتفق عليها في الصحيحين عن أبي هريرة قال: « ثلاثة لم يبلغوا الحنث» - من ذكر وأنثى، واختصاص موت الصغير بذلك الثواب لأن الشفقة عليه أعظم، والحبَّ له أشدّ والرحمة له أوفر والحزن عليه بليغ. وكأن السرَّ فيه أنه لا يصير منه إلى الوالدين عقوق، فيعظم الأسى عليه (11) . وقال ابن المنير - رحمه الله - : يدخل الكبير في ذلك من طريق الفحوى، لأنه إذا ثبت ذلك في الطفل الذي هو كَلٌّ على أبويه، فكيف لا يثبت في الكبير الذي بلغ معه السعي ودنى منه النفع، وتوجّه إليه الخطاب بالحقوق (12) . 6/ الظاهر في سؤال المرأة اعتبار ما دلَّ عليه العدد (ثلاثة) إذ لو لم تعتبره لم تسأل، فكأنها فهمت من النبي صلى الله عليه وسلم الحصر (في الثلاثة فما فوق) فطمعت في الفضل، فسألت عن حكم الاثنين هل يلتحق بالثلاثة أو لا؟ وقد خص الثلاثة بالذكر لأنها أول مراتب الكثرة فبعظم المصيبة يعظم الأجر. ولما قالت له المرأة: واثنان؟ يحتمل نزول الوحي في الحين ليجيبها بقوله: «واثنان » إذ يمكن مجيئ الوحي في أسرع من طرفة العين (13) . 7/ ذهب جمهور العلماء إلى أن أولاد المسلمين في الجنة – بإذن الله -. قال النووي وابن أبي زيد – رحمهما الله - : أجمع من يُعتدُّ به من علماء المسلمين على أن من مات من أطفال المسلمين فهو من أهل الجنَّة لأنه ليس مكلفًا (14) . ويمكن استنباط هذا الحكم من الحديث؛ لأن من حجب أبويه كان أولى بأن يحجب هو، لأنه أصل الرحمة وسببها. - ولقوله تعالى: (وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُم بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَمَا أَلَتْنَاهُم مِّنْ عَمَلِهِم مِّن شَيْءٍ كُلُّ امْرِئٍ بِمَا كَسَبَ رَهِينٌ )(15) والمعنى : أن من آمن بالله وأدرك ذريته الإيمان فعملوا بطاعة الله ألحقهم الله سبحانه – بفضله – هم وأولادهم الصغار درجة آباءهم في الجنة وإن كانوا دونهم في العمل. - وقوله تعالى :( مَّنِ اهْتَدَى فَإِنَّمَا يَهْتَدي لِنَفْسِهِ وَمَن ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا وَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً) (16) امتنع العذاب عن العقلاء لكونهم لم تبلغهم الدعوة، وامتناعه عن غير العقلاء من باب الأولى. - وفي الحديث الصحيح عن سمرة بن جندب قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا صلَّى صلاة أقبل علينا بوجهه، فقال: من رأى منكم الليلة رؤيا قال: فإن رأى أحد قصّها فيقول ما شاء الله، فسألنا يومًا، فقال هل رأى أحد منكم رؤيا؟ قلنا: لا. قال: « لكني رأيت الليلة رجلين أتياني ... وذكر في – حديث طويل – فانطلقنا حتى انتهينا إلى روضة خضراء فيها شجرة عظيمة وفي أصلها شيخ وصبيان » وقال في آخره: «والشيخ في أصل الشجرة إبراهيم عليه السلام والصبيان حوله فأولاد الناس » (17) .
-
تصلك هذه الرسالة لكونك مشتركاً في القائمة البريدية لموقع شبكة السنة النبوية وعلومها.
-
لإلغاء الإشتراك من القائمة البريدية يرجى الدخول إلى الصفحة الرئيسة لموقع شبكة السنة النبوية وعلومها:انقر هنا...
-
تصلك هذه الرسالة من بريد مخصص للإرسال فقط، إذا كان هناك أي استفسار أو تعليق انقر هنا...
-
لدعوة أصدقائك لزيارة موقعنا انقر هنا...
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق