1435/11/21
الوقفة الأولى : الحج في الإسلام أهميته وحكمه إن من فضل الله سبحانه وتعالى أن جعل الله الشهور والأعوام والليالي والأيام مواقيت الأعمال ومقادير الآجال فهي تنقضي جميعاً, وتمضي سريعاً فلما مضى شهر الصيام أقبلت أشهر الحج إلى بيت الله الحرام فكما أن من صام رمضان إيماناً واحتساباً, غفر له ما تقدم من ذنبه,فكذلك من حج لله فلم يرفث ولم يفسق تحقق له ذلك, كما ثبت ذلك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم(1), كل هذا من فضل الله تعالى وإنعامه على عباده حيث فتح لهم أبواب الخيرات ويسّر لهم سبل الطاعات, وجعل لهم مواسم لرفعة الدرجات وتكفير الخطايا ومحو الزلات. وما من عبد إلا ويقع في شيء من التقصير والزلل فكل بني آدم خطاء وخير الخطائين التوابون, الذين ما إن تقع منهم زلة أو يرتكبوا خطيئة إلا ويتذكروا عظمة الله فيخافوه, ويتذكروا رحمته فيرجوه, قال تعالى عنهم: ( وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُواْ فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُواْ أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُواْ اللّهَ فَاسْتَغْفَرُواْ لِذُنُوبِهِمْ وَمَن يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلاَّ اللّهُ وَلَمْ يُصِرُّواْ عَلَى مَا فَعَلُواْ وَهُمْ يَعْلَمُونَ ) (2), والحج المبرور الخالي من الآثام من أعظم ما يكفر السيئات وتمحى به الخطايا والزلات, كما قال عليه الصلاة والسلام: (من حج فلم يرفث ولم يفسق رجع من ذونبه كيوم ولدته أمه) (3). ***** والحج أخي المسلم ركن من أركان الدين العظام ودعامة من دعائمه الجسام لا يتم الإسلام إلا به ولا يكمل إلا بتحقيقه, قال تعالى: ( وَلِلّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ الله غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ ) (4), ويقول صلى الله عليه وسلم في الحديث المتفق عليه الذي رواه ابن عمر: (بني الإسلام على خمس شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة وصوم رمضان وحج بيت الله الحرام) (5). وروى سعيد في سننه عن عمر بن الخطاب أنه قال: لقد هممت أن أبعث رجالاً إلى هذه الأمصار فينظروا كل من كان له جرة ولم يحج فيضربوا عليهم الجزية ما هم بمسلمين ما هم بمسلمين, وروي عن علي رضي الله عنه أنه قال: من قدر على الحج فتركه فلا عليه أن يموت يهودياً أو نصرانياً (6). فالواجب على من لم يحج وهو يستطيع الحج أن يبادر إليه لما روي عن ابن عباس لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: تعجلوا إلى الحج – يعني الفريضة - فإن أحدكم لا يدري ما يعرض له. رواه أحمد (7). وأداء الحج واجب على الفور في حق من استطاع إليه سبيلا لظاهر قوله تعالى: ( وَلِلّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً) (8) ومن فضل الله تعالى وعظم مننه على عباده أن فرض الحج على عباده مرة واحدة في العمر, فقد قال صلى الله عليه وسلم: إن الله فرض عليكم الحج فقام الأقرع بن حابس فقال: يا رسول الله أفي كل عام؟ فقال: (لو قلت نعم لوجبت ولو وجبت لما استطعتم, الحج مرة واحدة وما زاد فهو تطوع). رواه الخمسة إلا الترمذي وأصله في مسلم (9). ***** ومما ينبغي أن نعلمه أن الحج موسم عظيم يجتمع فيه خلق كثير وجمع غفير, جاءوا يرجون رحمة الله استسلاماً وانقياداً ومحبة ورغبة مؤملين قبول الحج وحصول منافعه قال تعالى: ( وَأَذِّن فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالاً وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِن كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ ..... )(10), وهذه المنافع منافع دنيوية وأخروية فمن المنافع الدنيوية أن يلقى المسلمون بعضهم بعضا في بلد من دخله كان آمنا يتعارفون ويتعاشرون ويتواصلون ويتناصحون ويفكرون في علاج عللهم وإصلاح مجتمعهم وإزالة البغضاء والشحناء بينهم. ومن منافع الآخرة الإمتثال لأمر الله تعالى بالقيام بهذه الفريضة ومغفرة الذنوب, ورفعة الدرجات, وإجابة الدعاء, ودخول الجنان ورضى الرحمن, ففي الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: {الحجاج والعمار وفد الله ، إن سألوه أعطاهم وإن دعوه أجابهم وإن أنفقوا أخلف الله عليهم} (11),رواه النسائي وابن ماجة وابن حبان وابن خزيمة في صحيحهما. ومن أعظم منافع الحج الاستفادة من علماء الأمة ورجالاتها بعضهم من بعض ( إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ ) (12) إن الحج مظهر واضح جلي وموسم حافل بالتجارة الرابحة دينا ودنيا فيه تتم اللقاءات الخيرة في جوه الروحي فتصفو القلوب وتسمو النفوس, و يندحر الشيطان وجنده فلا يجد إلى القلوب المؤمنة النيرة بنور الإيمان واليقين المخلصة في عقيدتها الصادقة في إيمانها سبيلا. فليغتنم المسلم هذه الأيام الفاضلة, وليعلم أن الحج بمناسكه وأفعاله يتطلب من المؤمن صبراً وإيماناً وتحملاً واجتهاداً فإنه جهاد كما سماه الرسول صلى الله عليه وسلم بذلك لما قالت عائشة –رضي الله عنها- هل على النساء جهاد؟ قال: (عليكم جهاد لا قتال فيه) (13). (1) أخرجه البخاري(2: 164 رقم 1521)، ومسلم(4: 107 رقم 3358). (2) آل عمران: 135 (4) سبق تخريجه. (4) آل عمران: 97 (5)أخرجه البخاري(1: 9 رقم 8)، ومسلم ( 1: 34 رقم 121) . (6)أخرجه سعيد بن منصور بهذا اللفظ كما في التلخيص الحبير( 2: 223 )، و نصب الراية( 4: 411) (7)أخرجه أبو داود (2: 139: رقم 1721 ) ، والنسائي (5: 111 )، وغيرهم. وأصله في مسلم(4: 102 رقم 3321). (8) آل عمران: 97 (9) أخرجه أبو داود (2: 139: رقم 1721 ) ، والنسائي (5: 111 )، وغيرهم. وأصله في مسلم(4: 102 رقم 3321). (10) الحج: 27 (11) أخرجه ابن ماجه(2: 966 رقم 2892)، والطبراني في الكبير(19: 461 رقم 1103)، وهو حديث حسن بمجموع طرقه. (12) البقرة: 125. (13) أخرجه ابن ماجه( 2: 968 رقم 2901)، وأحمد في المسند(6: 165 رقم361 25)، وهو حديث صحيح.
-
تصلك هذه الرسالة لكونك مشتركاً في القائمة البريدية لموقع شبكة السنة النبوية وعلومها.
-
لإلغاء الإشتراك من القائمة البريدية يرجى الدخول إلى الصفحة الرئيسة لموقع شبكة السنة النبوية وعلومها:انقر هنا...
-
تصلك هذه الرسالة من بريد مخصص للإرسال فقط، إذا كان هناك أي استفسار أو تعليق انقر هنا...
-
لدعوة أصدقائك لزيارة موقعنا انقر هنا...
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق