1436/6/9
قصة رجل أوصى بنيه: إذا أنا مت فاحرقوني ثم اسحقوني ثم ذروني في البحر عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَن النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: أَسْرَفَ رَجُلٌ عَلَى نَفْسِهِ, فَلَمَّا حَضَرَهُ لمَوْتُ أَوْصَى بَنِيهِ فَقَالَ: إِذَا أَنَا مُتُّ فَأَحْرِقُونِي ثُمَّ اسْحَقُونِي ثُمَّ اذْرُونِي فِي الرِّيحِ فِي البَحْرِ؛ فَوَاللَّهِ لَئِنْ قَدَرَ عَلَيَّ رَبِّي لَيُعَذِّبُنِي عَذَابًا مَا عَذَّبَهُ بِهِ أَحَدًا, قَالَ: فَفَعَلُوا ذَلِكَ بِهِ, فَقَالَ: لِلأَرْضِ أَدِّي مَا أَخَذْتِ, فَإِذَا هُوَ قَائِمٌ, فَقَالَ لَهُ: مَا حَمَلَكَ عَلَى مَا صَنَعْتَ؟ فَقَالَ: خَشْيَتُكَ يَا رَبِّ. أَوْ قَالَ: مَخَافَتُكَ, فغفر لَهُ بِذَلِكَ(1). شرح المفردات(2): (أسرف على نفسه): أي: ظلم على نفسه، وأسرف الرجل: إذا جاوز الحد، وإذا أخطأ. (اذروني): طيِّروني. مِنْ قَوْله أَذْرَت الرِّيح الشَّيْء إِذَا فَرَّقَتْهُ بِهُبُوبِهَا. (اسحقوني): سحق الشيء أي: سهكه. وبابه قطع، وَهُوَ الدَّقُّ وَالطَّحْنُ, أي: اجعلوني سحيقًا. (أَدِّي): أَمْر مِن لأَدَاء. شرح الحديث: قال ابن حجر: قَالَ لخَطَّابِيُّ: قَدْ يُسْتَشْكَل هَذَا فَيُقَال كَيْف يُغْفَر لَهُ وَهُوَ مُنْكِر لِلبَعْثِ وَلقُدْرَة عَلَى إِحْيَاء لمَوْتَى ؟ وَلجَوَاب أَنَّهُ لَمْ يُنْكِر لبَعْث وَإِنَّمَا جَهِلَ فَظَنَّ أَنَّهُ إِذَا فُعِلَ بِهِ ذَلِكَ لاَ يُعَاد فَلاَ يُعَذَّب , وَقَدْ ظَهَرَ إِيمَانه بِاعْتِرَافِهِ بِأَنَّهُ إِنَّمَا فَعَلَ ذَلِكَ مِنْ خَشْيَة اللَّه (3). وقال النووي: اخْتَلَفَ لعُلَمَاء فِي تَأْوِيل هَذَا لحَدِيث, فَقَالَتْ طَائِفَة: لاَ يَصِحّ حَمْل هَذَا عَلَى أَنَّهُ أَرَادَ نَفْيَ قُدْرَة اللَّه, فَإِنَّ الشَّاكّ فِي قُدْرَة اللَّه تَعَالَى كَافِر, وَقَدْ قَالَ فِي آخِر لحَدِيث: إِنَّهُ إِنَّمَا فَعَلَ هَذَا مِنْ خَشْيَة اللَّه تَعَالَى, وَلكَافِر لاَ يَخْشَى اللَّه تَعَالَى, وَلاَ يُغْفَر لَهُ, قَالَ هَؤُلاَءِ: فَيَكُون لَهُ تَأْوِيلاَنِ أَحَدهمَا أَنَّ مَعْنَاهُ: لَئِنْ قَدَّرَ عَلَيَّ لعَذَاب, أَيْ: قَضَاهُ, يُقَال مِنْهُ قَدَرَ بِالتَّخْفِيفِ, وَقَدَّرَ بِالتَّشْدِيدِ بِمَعْنًى وَاحِد. وَالثَّانِي: إِنْ قَدَرَ هُنَا بِمَعْنَى ضَيَّقَ عَلَيَّ, قَالَ اللَّه تَعَالَى: (فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَه) وَهُوَ أَحَد لأَقْوَال فِي قَوْله تَعَالَى: (فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ) وَقَالَتْ طَائِفَة: اللَّفْظ عَلَى ظَاهِره, وَلَكِنْ قَالَهُ هَذَا الرَّجُل وَهُوَ غَيْر ضَابِط لِكَلاَمِهِ, وَلاَ قَاصِد لِحَقِيقَةِ مَعْنَاهُ, وَمُعْتَقِد لَهَا, بَل قَالَهُ فِي حَالَة غَلَبَ عَلَيْهِ فِيهَا الدَّهْش وَلخَوْف وَشِدَّة لجَزَع, بِحَيْثُ ذَهَبَ تَيَقُّظه وَتَدَبُّر مَا يَقُولهُ, فَصَارَ فِي مَعْنَى لغَافِل وَالنَّاسِي, وَهَذِهِ لحَالَة لاَ يُؤَاخَذ فِيهَا, وَهُوَ نَحْو قَوْل لقَائِل لآخَر الَّذِي غَلَبَ عَلَيْهِ لفَرَح حِين وَجَدَ رَاحِلَته: "أَنْتَ عَبْدِي وَأَنَا رَبّك", فَلَمْ يَكْفُر بِذَلِكَ الدَّهْش وَلغَلَبَة وَالسَّهْو. وَقَالَتْ طَائِفَة: هَذَا مِنْ مَجَاز كَلاَم لعَرَب, وَبَدِيع اِسْتِعْمَالهَا, يُسَمُّونَهُ مَزْج الشَّكّ بِليَقِينِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: (وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلَى هُدىً) فَصُورَته صُورَة شَكّ وَلمُرَاد بِهِ ليَقِين. وَقِيلَ: إِنَّمَا وَصَّى بِذَلِكَ تَحْقِيرًا لِنَفْسِهِ, وَعُقُوبَة لَهَا لِعِصْيَانِهَا, وَإِسْرَافهَا, رَجَاء أَنْ يَرْحَمهُ اللَّه تَعَالَى(4). قال شيخ الإسلام ابن تيمية: (فهذا رجل شك فى قدرة الله وفى إعادته إذا ذري بل اعتقد أنه لا يعاد وهذا كفر باتفاق المسلمين لكن كان جاهلا لا يعلم ذلك وكان مؤمنا يخاف الله أن يعاقبه فغفر له بذلك)(5). من فوائد الحديث: 1- سعة رحمة الله عز وجل بعباده، وتجاوزه عما صدر عنهم بسبب الجهل أو النسيان أو الإكراه، كما يدل عليه هذا الحديث وغيره. 2- الحذر من المسارعة إلى الحكم على الناس بمجرد صدور ما يستحقون اللوم عليه قبل النظر في أحوالهم وأعذارهم، وقبل إقامة الحجة عليهم. 3- أن القول قد يكون كفراً، أو فسقاً ولكن لا يلزم من ذلك الحكم على قائله بذلك حتى تقام عليه الحجة.
-
تصلك هذه الرسالة لكونك مشتركاً في القائمة البريدية لموقع شبكة السنة النبوية وعلومها.
-
لإلغاء الإشتراك من القائمة البريدية يرجى الدخول إلى الصفحة الرئيسة لموقع شبكة السنة النبوية وعلومها:انقر هنا...
-
تصلك هذه الرسالة من بريد مخصص للإرسال فقط، إذا كان هناك أي استفسار أو تعليق انقر هنا...
-
لدعوة أصدقائك لزيارة موقعنا انقر هنا...
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق