1435/7/29
حديث (أَلاَ أَجْعَلُ لَكَ شَيْئًا تَقْعُدُ عَلَيْهِ ؟...) عَنْ جَابِرِ : أَنَّ امْرَأَةً قَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ ! أَلاَ أَجْعَلُ لَكَ شَيْئًا تَقْعُدُ عَلَيْهِ ؟ فَإِنَّ لِي غُلَامًا نَجَّارًا .قَالَ : « إِنْ شِئْتِ » فَعَمِلَتْ الْمِنْبَرَ . (1) السَّائلة : امرأةٌ منَ الأنصارِ، قال ابن حجر: لا يعرف اسمها . ويحتمل أن تكون المرادةُ فَكيْهَةُ بنت عُبَيْد وَهي زوجة سَعْد بن عُبَادة وابنة عمه أسلمت وبايعت ، وهي والدة قيس بن سعد ، وكان النجار مولى لسعد زوجها، ونسب إليها مجازًا (2) . غريب الحديث : مِنْبَر : النون والباء والراء أصل صحيح يدلُّ على رَفْعٍ وعُلُوٍّ ، وسمي المنْبَر لأنه مرتفع ، ويُرْفَعُ الصوت عليه (3) . من فوائد الحديث : 1/ ظهور حكمة تلك المرأة وسداد رأيها بالتقرب إلى أهل الفضل والعلم بعمل الخير واستئذانها رسولَ الله صلى الله عليه وسلم في إهدائه المنبر، وذلك لما تردد في نفسِهَا من مشروعية اتخاذه في الخطبة مع التنويه بأن غلامها النَّجار هو الذي سيلي صنعه . 2/ وفيه من العلم؛ قبول البذل إذا كان بغير سؤال، وجواز المطالبة بالوعد واستنجازه ممن تعلم منه الإجابة (4) . 3/ وفيه تكليف العبد بما يطيقه ويمكنه أداؤه، ولا يُسْأَلُ عن طيب نفسه بما يؤمر به وما يعمل (5) . 4/ جمع العلماء كالمهلب وغيره بين الحديثين الصحيحين المتعارضين في الظاهر –حديث جابر وسهل –رضي الله عنه- باحتمال أن تكون المرأة – في حديث جابر وهو حديث المتن – قد بدأت بالسؤال وتبرعت للرسول صلى الله عليه وسلم بعمل المنبر، فلما أباح لها النبي صلى الله عليه وسلم ذلك، وقبل رغبتها، بقوله: «إِنْ شِئْتِ » شعرت أن في الأمر فسحة، وأمكن الغلام أن يبطئ بعمله، فتعلّقت نفسُ النبي صلى الله عليه وسلم به، واطمأنَّ إلى صوابه، وعَلِم طيب نفس المرأة بما بذلته من صنعة (6) غلامها فاستنجزها إتمامَه وإكمالَ عِدَتها . ويمكن أن يكون إرساله عليه السلام إلى المرأة – في حديث سهل - المتفق عليه - ليعرِّفها بصفة معينة لما يصنع الغلام في الأعواد وأن يكون ذلك منبرًا . 5/ وفيه مشروعية لاستعانة بأهل الصِّناعات والمقدرة في كل ما ينفع المسلمين (7) 6/ فيه استحباب اتخاذ الخطيب المنبر في الجمعة، ليكون ارتفاعه به أبلغ في رؤيته وحسن الاستماع إليه والاقتداء به (8) . 7/ اختلف العلماء في تعيين اسم النَّجَّار الذي صنع منبر رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ورجّح ابن حجر وغيره أن أقرب الأقوال للصواب هو تسميته « ميمون » الرومي (9) ، ولا اعتداد بالأقوال الأخرى لضعفها. ا. هـ روى ذلك ابن بشكوال بسنده عن ابن لهيعة مرفوعاً و فيه: كان بالمدينة نجار واحد يقال له ميمون، قال فبعث النَّجارَ أبي، فانطلق وانطلقت معه، حتى أتيت الخافقين، فقطعنا ثمَّ أثلاً، فعمله، قال: فو الله ما هو إلا أن قعد عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم فتكلّم، وفقدته الخشبة، فخارت كما يخور الثور، لها حنين، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «سبحان الله ألا ترون هذه الخشبة!، انزعوها واجعلوها تحت المنبر في الأرض» فنزعوها فدفنوها تحت المنبر (10) . 7/ عمل هذا المنبر سنة 8هـ، وقيل سنة 7هـ، وهو مصنوع من أعواد شجر طَرْفَاء الغابة (الأثل) وهو مَوْضِعٌ من عوالي المدينة من جهة الشام – على هيئة ثلاث درجات، وزاده مروان في خلافة معاوية إلى ست درجات من أسفله، واستمرَّ به إلى أن احترق باحتراق مسجد المدينة سنة 654هـ (11) . 8/ في الحديث الذي رواه البخاري بلفظ : « فَصَاحَتْ النَّخْلَةُ التي كَانَ يَخْطُبُ عِنْدَها حَتَّى كَادَتْ أن تنْشَقَّ..» عَلَمٌ عظيمٌ من أعلام نبوَّةِ محمدٍ صلى الله عليه وسلم ودليلٌ على صحةِ رسالتِهِ، وهو حَنينُ الجماد إليهِ وذلك بأن جعل الله سبحانه للجذع حياةً حنَّ بها وبكى ! حتى أسمع الناس، وهذا بفضل الله سبحانه:( إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئاً أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ ) (12) (13) . (1) صحيح ، رواه البخاريُّ – واللفظ له - (38 ح449) و (164 ح2095) وفي آخره: « فَلَمّا كَانَ يومُ الجُمُعَةِ قَعَدَ النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم على المنَبرِ الذي صُنعَ فَصَاحَتْ النَّخْلَةُ التي كان يخطب عندها حتى كادت أن تَنْشَقَّ، فَنَزَلَ النبي صلى الله عليه وسلم حتَّى أَخَذَهَا فَضَمَّهَا إلَيْهِ، فَجَعَلَتْ تَئِنُّ أَنِيْنَ الصَّبِيِّ الذي يُسَكَّتُ حتَّى استَقَرَّتْ، قال: بَكَتْ عَلَى مَا كَانَتْ تسمَعُ مِنَ الذِّكْر » وللحديث شواهد كثيرة منها ما رواه مسلم (762 ح544) بسنده عن سَهِل بن سعدٍ قال: أرسلَ رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم إلى امرأةٍ، قال أبو حازم: إنَّه ليسميِّها يَومَئذٍ: «انْظُري غُلاَمَكِ النَّجّارَ، يعملُ لي أَعْوَادًا أُكَلِّمُ النَّاس عَلَيْها » فعمل هذه الثَّلاثَ دَرَجاتٍ، ثم أمر بها رسول الله صلى الله عليه وسلم فوضعت هذا الموضِعَ، فهي مِنْ طَرْفَاءِ الغَابَةِ، ولقد رأيتُ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم قام عليه، فكبرَّ، وكبرَّ الناسُ وراءهُ، وهو على المنبر، ثمَّ رفعَ فنزلَ القَهْقَرى، حتى سجدَ في أصل المنبرِ، ثم عاد حتى فَرغَ من آخِر صلاتِهِ، ثمَّ أَقْبَلَ على الناسِ فقالَ : « يا أيها النَّاسُ ! إنِّي صنعتُ هذا لتأتمُّوا بي، ولتعلَّموا صَلاتِي ». (2) الإصابة (8/76)، فتح الباري (1/641)، إرشاد الساري (2/589)، عون المعبود (3/295)، تنبيه المعلم (ص135) . (3) معجم مقاييس اللغة (ص971) . (4) عمدة القاري (4/211) . (5) شرح ابن بطال (6/226) . (6) ينظر: شرح ابن بطال (2/100) و (6/226)، المنهاج (5/37) ، إرشاد الساري (2/110)، و(5/58). (7) ينظر: فتح الباري (1/715)، عمدة القاري (4/211). (8) ينظر: المفهم (2/959)، المنهاج (5/36)، فتح الباري (2/508)، إرشاد الساري (2/591)، عون المعبود (3/296) . (9) روى المقدسي في المختارة (4/356) بسنده عند أنس بن مالك أن نبي الله صلى الله عليه وسلم كان يوم الجمعة يسند ظهره إلى جذع منصوب في المسجد فيخطب الناس فجاءه رومي فقال: «ألا أصنع لك شيئًا تقعد عليه .. فصنع له منبرًا » الحديث. وقال إسناده حسن .ورواه هبة الله اللالكائي في اعتقاد أهل السنة (4/799) بسنده عن أنس بن مالك وقال إسناده صحيح على شرط مسلم ولم يخرجه . (10) غوامض الأسماء المبهمة (1/344)، ورواه الروّياني في مسنده (2/225) بمثله من طريق ابن لهيعة به، وفيه عنعنته ، وينظر: فتح الباري (1/641)، (2/506)، تنبيه المعلم (ص136)، الديباج (2/223)، شرح السيوطي (2/58)، إرشاد الساري (2/590) . (11) ينظر: المنهاج (5/37)، فتح الباري (2/507)، شرح السيوطي (2/58، 59)، إرشاد الساري (5/57)، عون المعبود (3/295). (12) شرح ابن بطال (2/508) . (13) سورة يس، الآية: 82 .
-
تصلك هذه الرسالة لكونك مشتركاً في القائمة البريدية لموقع شبكة السنة النبوية وعلومها.
-
لإلغاء الإشتراك من القائمة البريدية يرجى الدخول إلى الصفحة الرئيسة لموقع شبكة السنة النبوية وعلومها:انقر هنا...
-
تصلك هذه الرسالة من بريد مخصص للإرسال فقط، إذا كان هناك أي استفسار أو تعليق انقر هنا...
-
لدعوة أصدقائك لزيارة موقعنا انقر هنا...
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق