1435/6/29
قصة حنظلة وأبي بكر وخوفهما من النفاق رضي الله عنهم عَنْ أَبِي عُثْمَانَ النَّهْدِيِّ، عَنْ حَنْظَلَةَ الْأُسَيِّدِيِّ، قَالَ: - وَكَانَ مِنْ كُتَّابِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: لَقِيَنِي أَبُو بَكْرٍ، فَقَالَ: كَيْفَ أَنْتَ؟ يَا حَنْظَلَةُ قَالَ: قُلْتُ: نَافَقَ حَنْظَلَةُ، قَالَ: سُبْحَانَ اللهِ مَا تَقُولُ؟ قَالَ: قُلْتُ: نَكُونُ عِنْدَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يُذَكِّرُنَا بِالنَّارِ وَالْجَنَّةِ، حَتَّى كَأَنَّا رَأْيُ عَيْنٍ، فَإِذَا خَرَجْنَا مِنْ عِنْدِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، عَافَسْنَا الْأَزْوَاجَ وَالْأَوْلَادَ وَالضَّيْعَاتِ، فَنَسِينَا كَثِيرًا، قَالَ أَبُو بَكْرٍ: فَوَاللهِ إِنَّا لَنَلْقَى مِثْلَ هَذَا، فَانْطَلَقْتُ أَنَا وَأَبُو بَكْرٍ، حَتَّى دَخَلْنَا عَلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قُلْتُ: نَافَقَ حَنْظَلَةُ، يَا رَسُولَ اللهِ فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «وَمَا ذَاكَ؟» قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ نَكُونُ عِنْدَكَ، تُذَكِّرُنَا بِالنَّارِ وَالْجَنَّةِ، حَتَّى كَأَنَّا رَأْيُ عَيْنٍ، فَإِذَا خَرَجْنَا مِنْ عِنْدِكَ، عَافَسْنَا الْأَزْوَاجَ وَالْأَوْلَادَ وَالضَّيْعَاتِ، نَسِينَا كَثِيرًا فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ إِنْ لَوْ تَدُومُونَ عَلَى مَا تَكُونُونَ عِنْدِي، وَفِي الذِّكْرِ، لَصَافَحَتْكُمُ الْمَلَائِكَةُ عَلَى فُرُشِكُمْ وَفِي طُرُقِكُمْ، وَلَكِنْ يَا حَنْظَلَةُ سَاعَةً وَسَاعَةً» ثَلَاثَ مَرَّاتٍ(1) . شرح المفردات (2) ( يذكرنا ) أي يعظنا. (حتى كأنا رأي عين) أي: كأنا بحال من يراها بعينه. (عافسنا) أي اشتغلنا بمعايشنا وحظوظنا. (والضيعات) جمع ضيعة، وهي معاش الرجل من مال أو حرفة أو صناعة. (نافق حنظلة ) معناه أنه خاف أنه منافق، حيث كان يحصل له الخوف في مجلس النبي صلى الله عليه وسلم، ويظهر عليه ذلك مع المراقبة والفكر والإقبال على الآخرة، فإذا خرج اشتغل بالزوجة والأولاد ومعاش الدنيا. وأصل النفاق إظهار ما يكتم خلافه من الشر فخاف أن يكون ذلك نفاقا فأعلمهم النبي صلى الله عليه وسلم أنه ليس بنفاق وأنهم لا يكلفون الدوام على ذلك بل ساعة وساعة، أي ساعة كذا وساعة كذا. ( ونسينا كثيرا ) قال الطيبي: أي كثيرا مما ذكرتنا به، أو نسيانا كثيرا كأنا ما سمعنا منك شيئا قط، وهذا أنسب بقوله رأي عين. ( لو تدومون على الحال التي تقومون بها من عندي ) أي من صفاء القلب والخوف من الله تعالى. (لصافحتكم الملائكة) قيل: أي علانية وإلا فكون الملائكة يصافحون أهل الذكر حاصل، وقال ابن حجر : أي عياناً في سائر الأحوال. ( ولكن يا حنظلة ساعة وساعة ) أي ساعة كذا وساعة كذا، يعني لا يكون الرجل منافقا بأن يكون في وقت على الحضور، وفي وقت على الفتور، ففي ساعة الحضور تؤدون حقوق ربكم، وفي ساعة الفتور تقضون حظوظ أنفسكم . من فوائد الحديث: 1- ما كان عليه الصحابة رضي الله عنهم من قوّة الإيمان، ومن شدّة الخوف من النفاق، قال الإمام البخاري: " قال ابن أبي مليكة: أدركت ثلاثين من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم كلهم يخاف النفاق على نفسه، ما منهم أحد يقول: إنه على إيمان جبريل وميكائيل، ويذكر عن الحسن: ما خافه إلا مؤمن، ولا أمنه إلا منافق "(3). 2- حرص الصحابة رضي الله عنهم على صيانة إيمانهم مما يخل به من الأقوال والأعمال وقد تجلى ذلك في شكوى حنظلة مما يظنه سبباً في نقص إيمانه ووقوعه في النفاق، وموافقة أبي بكر له في شكواه، ثم سؤالهما النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك ليبين لهما ما أشكل عليهما. 3- منادمة أبي بكر لحنظلة في شكواه، وبوحه له أنه يجد ما يجد، وهذا غاية في التفاعل مع الشاكي، كما أن فيه تخفيفاً من ثقل غمه وعنائه، ومواساةً له بأنه ليس وحده من يكابد هذا الهم ويعانيه. 4- في قول النبي صلى الله عليه وسلم: ((وما ذاك؟ )) بعد قول الصحابي: ((نافق حنظلة)) أهمية التأني، والتثبت، واستزادة الشاكي في شرح شكواه. 5- وفي توجيه النبي صلى الله عليه وسلم حثٌ على إعطاء النفس نصيبها من الدنيا فيما يحل ويجمل، وقد أكَّد ذلك بتكرار قوله " ساعة وساعة " ثلاث مرات، وأكّده أيضاً بأن نفى القدرة على الدوام على الذكر، وحال الرقة والخشوع، ولو قدر أحدٌ على ذلك لكان مكتوباً في زمرة الملائكة، الذين يسبحون الليل والنهار لا يفترون، ولو كان مثل حالها لكاشفته بأنفسها، وخالطته بكلامها، ورؤيتها في ممشاه، ومجلسه، ومضجعه، وقد آنس النبي صلى الله عليه وسلم أمته عن فوت هذه الحالة بجوابه المذكور في الحديث، وزاد الخلق تأنيساً بأن قال: (( إنه ليغان على قلبي، فأتوب إلى الله في اليوم والليلة مائة مرة )) . 6- وفي الحديث أن ملابسة المؤمن للحالين ليس نفاقاً، ولا نقصاً في إيمانه، حال الرقة، والتذكر، والتفكر، وحال مخالطة الأهل، والأموال، وما يلزم من ذلك من حصول شيء من الغفلة، والنسيان. 7- وأنه لا يلزمه أن يظل المؤمن على حال الرقة والخشوع عند ملابسته أهله وماله، حيث أن حنظلة قال " فإذا خرجنا من عندك عافسنا الأزواج، والأولاد، والضيعات، نسينا كثيراً "، وأقرهّ النبي - صلى الله عليه وسلم - على ذلك. 8- أن المسلم مطالب بأداء الحقوق الواجبة عليه من اكتساب المال لينفق على نفسه ومن يعول، ومن القيام بشؤون الزوجة والأولاد، والأقارب والضيف، ولا يتأتى ذلك مع الاستمرار في العبادة والانقطاع لها. 9- أنه لا يتم العمل بقوله - عليه السلام - " ساعة وساعة " على الوجه الصحيح إلا لمن وفّى بساعة الإيمان، فكان في مثل حال من قيل له هذا التوجيه، حيث أن في الحديث ذكر أنهم حال ساعة الإيمان ترق قلوبهم عند الموعظة، وكأنهم يرون الجنة والنار رأي العين، أما من لزم ساعة حظوظ النفس، أو كانت الأغلب عليه، وغفل عن ساعة الإيمان، وهو مع ذلك يستدل بهذا الحديث، فقد غالط نفسه وخدعها، وألبس ضعفه وفتوره لباساً يظنه من الشرع. (1) رواه مسلم، رقم (2750). (2) النووي، شرح صحيح مسلم (17/66). (3) فتح الباري (1/146(.
-
تصلك هذه الرسالة لكونك مشتركاً في القائمة البريدية لموقع شبكة السنة النبوية وعلومها.
-
لإلغاء الإشتراك من القائمة البريدية يرجى الدخول إلى الصفحة الرئيسة لموقع شبكة السنة النبوية وعلومها:انقر هنا...
-
تصلك هذه الرسالة من بريد مخصص للإرسال فقط، إذا كان هناك أي استفسار أو تعليق انقر هنا...
-
لدعوة أصدقائك لزيارة موقعنا انقر هنا...
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق