1435/5/9
فقـه الخلق مع ولي الأمــر
قال تعالى { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ }(1) .
وعن العرباضُ رضي الله عنه قال : صَلَّى بِنَا رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- ذَاتَ يَوْمٍ ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَيْنَا فَوَعَظَنَا مَوْعِظَةً بَلِيغَةً ذَرَفَتْ مِنْهَا الْعُيُونُ وَوَجِلَتْ مِنْهَا الْقُلُوبُ فَقَالَ قَائِلٌ يَا رَسُولَ اللَّهِ، كَأَنَّ هَذِهِ مَوْعِظَةُ مُوَدِّعٍ فَمَاذَا تَعْهَدُ إِلَيْنَا فَقَالَ ( أُوصِيكُمْ بِتَقْوَى اللَّه،ِ وَالسَّمْعِ وَالطَّاعَةِ، وَإِنْ عَبْدًا حَبَشِيًّا فَإِنَّهُ مَنْ يَعِشْ مِنْكُمْ بَعْدِى فَسَيَرَى اخْتِلاَفًا كَثِيرًا، فَعَلَيْكُمْ بسنتي، وَسُنَّةِ الْخُلَفَاءِ الْمَهْدِيِّينَ الرَّاشِدِينَ، تَمَسَّكُوا بِهَا، وَعَضُّوا عَلَيْهَا بِالنَّوَاجِذِ، وَإِيَّاكُمْ وَمُحْدَثَاتِ الأُمُور،ِ فَإِنَّ كُلَّ مُحْدَثَةٍ بِدْعَةٌ، وَكُلَّ بِدْعَةٍ ضَلاَلَةٌ )(2) .
وعن حُذَيْفَةُ بْنُ الْيَمَانِ قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّه، إِنَّا كُنَّا بِشَرٍّ، فَجَاءَ اللَّهُ بِخَيْرٍ فَنَحْنُ فِيه،ِ فَهَلْ مِنْ وَرَاءِ هَذَا الْخَيْرِ شَرٌّ؟ قَالَ « نَعَمْ ». قُلْتُ هَلْ وَرَاءَ ذَلِكَ الشَّرِّ خَيْرٌ؟ قَالَ « نَعَمْ ». قُلْتُ فَهَلْ وَرَاءَ ذَلِكَ الْخَيْرِ شَرٌّ؟ قَالَ « نَعَمْ ». قُلْتُ كَيْفَ؟ قَالَ : « يَكُونُ بَعْدِى أَئِمَّةٌ لاَ يَهْتَدُونَ بِهُدَايَ، وَلاَ يَسْتَنُّونَ بِسُنَّتِي، وَسَيَقُومُ فِيهِمْ رِجَالٌ قُلُوبُهُمْ قُلُوبُ الشَّيَاطِينِ في جُثْمَانِ إِنْسٍ ». قَالَ: قُلْتُ كَيْفَ أَصْنَعُ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنْ أَدْرَكْتُ ذَلِكَ؟ قَالَ:« تَسْمَعُ وَتُطِيعُ لِلأَمِيرِ وَإِنْ ضُرِبَ ظَهْرُكَ وَأُخِذَ مَالُكَ فَاسْمَعْ وَأَطِعْ »(3).
وعَنْ عَلْقَمَةَ بْنِ وَائِلٍ الْحَضْرَمِىِّ عَنْ أَبِيهِ قَال:َ سَأَلَ سَلَمَةُ بْنُ يَزِيدَ الْجُعْفِىُّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم- فَقَالَ: يَا نبي اللَّهِ، أَرَأَيْتَ إِنْ قَامَ عَلَيْنَا أُمَرَاءٌ يَسْأَلُونَا حَقَّهُمْ وَيَمْنَعُونَا حَقَّنَا فَمَا تَأْمُرُنَا؟ فَأَعْرَضَ عَنْهُ، ثُمَّ سَأَلَهُ، فَأَعْرَضَ عَنْه،ُ ثُمَّ سَأَلَهُ في الثَّانِيَةِ، أَوْ في الثَّالِثَةِ، فَجَذَبَهُ الأَشْعَثُ بْنُ قَيْسٍ وَقَالَ: « اسْمَعُوا وَأَطِيعُوا فَإِنَّمَا عَلَيْهِمْ مَا حُمِّلُوا وَعَلَيْكُمْ مَا حُمِّلْتُمْ ».(4)
وعن ابن عباس - رضي الله عنهما - عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( مَنْ رَأَى مِنْ أمِيرهِ شيئاً يَكْرَهُه فَلْيَصْبرْ عليهِ فَإِنَّه مَنْ فَارقَ الجماعَةَ شِبْراً فمَاتَ إلَّا ماتَ مَيْتةً جَاهِلية )(5) .
وعَنْ عَوْفِ بْنِ مَالِكٍ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ: « خِيَارُ أَئِمَّتِكُمُ الَّذِينَ تُحِبُّونَهُمْ وَيُحِبُّونَكُمْ، وَيُصَلُّونَ عَلَيْكُمْ وَتُصَلُّونَ عَلَيْهِمْ، وَشِرَارُ أَئِمَّتِكُمُ الَّذِينَ تُبْغِضُونَهُمْ وَيُبْغِضُونَكُمْ، ولتعنونهم ويلعنونكم ». قِيلَ يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَفَلاَ نُنَابِذُهُمْ بِالسَّيْفِ؟ فَقَالَ: « لاَ مَا أَقَامُوا فِيكُمُ الصَّلاَةَ، وَإِذَا رَأَيْتُمْ مِنْ وُلاَتِكُمْ شَيْئًا تَكْرَهُونَهُ فَاكْرَهُوا عَمَلَهُ، وَلاَ تَنْزِعُوا يَدًا مِنْ طَاعَةٍ »(6).
ومعنى ننابذهم: أي نقاتلهم
وعن عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ قال: دَعَانَا رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم- فَبَايَعْنَاهُ فَكَانَ فِيمَا أَخَذَ عَلَيْنَا أَنْ بَايَعَنَا عَلَى السَّمْعِ وَالطَّاعَةِ في مَنْشَطِنَا وَمَكْرَهِنَا، وَعُسْرِنَا وَيُسْرِنَا، وَأَثَرَةٍ عَلَيْنَا، وَأَنْ لاَ نُنَازِعَ الأَمْرَ أَهْلَهُ قَالَ: « إِلاَّ أَنْ تَرَوْا كُفْرًا بَوَاحًا عِنْدَكُمْ مِنَ اللَّهِ فِيهِ بُرْهَانٌ »(7).
بواحاً: أي جهاراً . والمراد كفراً ظاهراً.(8) ومعنى ( عندكم من الله فيه برهان ): أي تعلمونه من دين الله تعالى.
وهذه الأحاديث تدل على عدة أمور :
الأمر الأول:
وجوب طاعة ولي الأمر.
الأول: طاعته في جميع الأحوال ما لم يكن معصية.
الثاني: طاعته في أَمْرٍ اجتهادي، له فيه اجتهاد، وهذا الاجتهاد إما أنْ يكون عن خلافٍ شرعي، واختار أحد الأقوال أو أحد الرأيين، أو في مسائل حادثة لا يَعْلَمُ الناس لها حكماً من المسائل الدنيوية.
الأمر الثاني:
لزوم طاعتهم والصبر على جورهم، كما قال صلى الله عليه وسلم: ( تَسْمَعُ وَتُطِيعُ لِلأَمِيرِ وَإِنْ ضُرِبَ ظَهْرُكَ وَأُخِذَ مَالُكَ ).
الأمر الثالث:
الدعاء لهم، والترحم عليهم.
الأمر الرابع:
عدم الخروج عليهم، وسبهم، وانتقاصهم بما يثير الناس عليهم، فليس هذا من النصيحة لهم.
قال النووي - رحمه الله-: [وأما الخروج عليهم وقتالهم فحرام بإجماع المسلمين، وإن كانوا فسقة ظالمين، وقد تظاهرت الأحاديث بمعنى ما ذكرته، وأجمع أهل السنة أنه لا ينعزل السلطان بالفسق ](9).
وقال الإمام الطحاوي - رحمه الله- : [ولا نرى الخروج على أئمتنا وولاة أمورنا وإن جاروا، ولا ندعو عليهم، ولا ننزع يدًا من طاعتهم، ونرى طاعتهم من طاعة الله - عز وجل - فريضة، ما لم يأمروا بمعصية، وندعو لهم بالصلاح والمعافاة ](10).
وقد ذكر العلماء الحكمة من المنع من الخروج على ولاة الأمور، قال الشيخ عبد العزيز الراجحي - حفظه الله- : [الحكمة من المنع من الخروج على ولاة الأمور، ولو فعلوا المعاصي، ولو فعلوا الكبائر، وقد ذكر العلماء هذه الحكمة، واستنبطوها من النصوص، وهذه الحكمة داخلة تحت قاعدة اجتماع المفاسد والمصالح، وأنَّ القاعدة الشرعية إذا وجد مفسدتان لا يمكن تركهما؛ فإننا نرتكب المفسدة الصغرى لدفع الكبرى، وإذا وجد مصلحتان لا يمكن فعلهما نفعل المصلحة الكبرى، وندفع المصلحة الصغرى.
فمثلا يترتب على الخروج على ولاة الأمور مفاسد، من هذه المفاسد: أنه تحصل الفوضى والفرقة والاختلاف والتناحر والتطاعن والتطاحن، وإراقة الدماء وانقسام الناس، واختلاف قلوبهم، وفشل المسلمين، وذهاب ريح الدولة، ويتربص بهم الأعداء الدوائر، ويتدخل الأعداء، وتحصل الفوضى واختلال الأمن، وإراقة الدماء، واختلال الحياة جميعا، واختلال المعيشة، واختلال الحياة السياسية، واختلال الحياة الاقتصادية، واختلال الحياة التجارية، واختلال التعليم، واختلال الأمن تحصل الفوضى، وتأتي على الأخضر واليابس فتن وأمور عظيمة، فهذه مفاسد عظيمة، ولكن أي هذه المفسدة تتطلب منا خروجاً على ولي الأمر؟ قد يكون ولي الأمر قد فعل مفسدة، ظلم بعض الناس، أو سجن بعض الناس، أو شرب الخمر، أو ما وزع بعض المال، أو حصل منه فسق، لكن هذه مفسدة صغيرة نتحملها، يتحملها المسلم في أي مكان، وفي أي زمان، أما في الخروج عليه مفاسد يترتب عليها فتن تأتي على الأخضر واليابس، فتن ما تنتهي] (11).
(1) - سورة النساء آية 59 .
(2) - أخرجه أبو داود باب في لزوم السنة ح 4609 -4/329، وصححه الألباني في تحقيقه له ، والترمذي باب الأخذ بالسنة واجتناب البدع ح 2676-5/44 وقال : حديث صحيح ، وابن حبان باب ا الاعتصام بالسنة 5-1/178 .
(3) - أخرجه مسلم باب وجوب طاعة الأمراء في غير معصية ح 4891-6/20 .
(4) - أخرجه مسلم باب وجوب طاعة الأمراء في غير معصية ح 4888-6/19 .
(5) - أخرجه البخاري باب قول النبي صلى الله عليه وسلم ( سترون بعدي أموراً تنكرونها ) ح 6646-6/2588 . ومسلم باب الأمر بلزوم الجماعة عند ظهور الفتن ح 4896-6/21 .
(6) - أخرجه مسلم باب خيار الأئمة وشرارهم ح 4910-6/24 .
(7) - أخرجه مسلم باب وجوب طاعة الأمراء في غير معصية ح 4877-6/16 .
(8) - انظر: النهاية في غريب الحديث والأثر 1/421 وشرح النووي لصحيح مسلم 12/229.
(9) - شرح النووي 12/229 .
(10) - شرح العقيدة الطحاوية للشيخ صالح آل الشيخ 1/474 .
(11) - شرح العقيدة الطحاوية للراجحي .
-
تصلك هذه الرسالة لكونك مشتركاً في القائمة البريدية لموقع شبكة السنة النبوية وعلومها.
-
لإلغاء الإشتراك من القائمة البريدية يرجى الدخول إلى الصفحة الرئيسة لموقع شبكة السنة النبوية وعلومها:انقر هنا...
-
تصلك هذه الرسالة من بريد مخصص للإرسال فقط، إذا كان هناك أي استفسار أو تعليق انقر هنا...
-
لدعوة أصدقائك لزيارة موقعنا انقر هنا...
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق