1435/2/2
مثل المجاهد في سبيل الله عن أَبي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: (مَثَلُ الْمُجَاهِدِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ -وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَنْ يُجَاهِدُ فِي سَبِيلِهِ- كَمَثَلِ الصَّائِمِ الْقَائِمِ, وَتَوَكَّلَ اللَّهُ لِلْمُجَاهِدِ فِي سَبِيلِهِ بِأَنْ يَتَوَفَّاهُ أَنْ يُدْخِلَهُ الْجَنَّةَ, أَوْ يَرْجِعَهُ سَالِمًا مَعَ أَجْرٍ أَوْ غَنِيمَةٍ) (1). شرح المفردات (2): ( أعلم بمن يجاهد في سبيله ) الله أعلم بنيته إن كانت خالصة لإعلاء كلمته . ( وَتَوَكَّلَ اللَّه): وفي رواية " اِنْتَدَبَ اللَّه ", وَلِمُسْلِمٍ " تَضَمَّنَ اللَّه ", ومعناه: ضمن وتكفل على وجه التفضل منه سبحانه. (الجَنَّة ): أَي: بِأَنْ يُدْخِلهُ الْجَنَّة إِنْ تَوَفَّاهُ. ( مَعَ أَجْر أَوْ غَنِيمَة ): أي: مَعَ أَجْر خَالِص إِنْ لَمْ يَغْنَم شَيْئًا, أَوْ مَعَ غَنِيمَة إن وجدت مع تحقيق الأجر. فقد روى مسلم من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما مرفوعا ( ما من غازية تغزو في سبيل الله فيصيبون الغنيمة إلا تعجلوا ثلثي أجرهم من الآخرة ويبقى لهم الثلث فإن لم يصيبوا غنيمة تم لهم أجرهم ) وهذا يدل على أن الذي يغنم يرجع بأجر لكنه انقص من أجر من لم يغنم فتكون الغنيمة في مقابلة جزء من أجر الغزو. شرح الحديث: قال ابن حجر: وَشَبَّهَ حَال الصَّائِم الْقَائِم بِحَالِ الْمُجَاهِد فِي سَبِيل اللَّه فِي نَيْل الثَّوَاب فِي كُلّ حَرَكَة وَسُكُون؛ لِأَنَّ الْمُرَاد مِن الصَّائِم الْقَائِم منْ لَا يَفْتُر سَاعَة عَن الْعِبَادَة فَأَجْره مُسْتَمِرّ, وَكَذَلِكَ الْمُجَاهِد لَا تَضِيع سَاعَة مِنْ سَاعَاته بِغَيْرِ ثَوَاب (3). كما قال تعالى: (ما كان لأهل المدينة ومن حولهم من الأعراب أن يتخلفوا عن رسول الله ولا يرغبوا بأنفسهم عن نفسه ذلك بأنهم لا يصيبهم ظمأٌ ولا نصب ولا مخمصة في سبيل الله ولا يطئون موطئًا يغيظ الكفار ولا ينالون من عدو نيلاً إلا كتب لهم به عمل صالح إن الله لا يضيع أجر المحسنين ولا ينفقون نفقة صغيرة ولا كبيرة ولا يقطعون واديًا إلا كتب لهم ليجزيهم الله أحسن ما كانوا يعملون) [سورة التوبة: 120-121]. وقد جاء هذا المعنى في مواضع كثيرة: منها ما روي عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (تَكَفَّلَ اللَّهُ لِمَنْ جَاهَدَ فِي سَبِيلِهِ لَا يُخْرِجُهُ إِلَّا الْجِهَادُ فِي سَبِيلِهِ وَتَصْدِيقُ كَلِمَاتِهِ, بِأَنْ يُدْخِلَهُ الْجَنَّةَ أَوْ يَرْجِعَهُ إِلَى مَسْكَنِهِ الَّذِي خَرَجَ مِنْهُ مَعَ مَا نَالَ مِنْ أَجْرٍ أَوْ غَنِيمَةٍ)(4). من فوائد الحديث: 1- قال ابن عبد البر –رحمه الله- : هذا من أجلّ حديث روي في فضل الجهاد لأنه مثل بالصلاة والصيام وهما أفضل الأعمال وجعل المجاهد بمنزلة من لا يفتر عن ذلك ساعة فأي شيء أفضل من شيء يكون صاحبه راكباً وماشياً وراقداً ومتلذذاً بكثير - ما أبيح له - من حديثِ رفيقه وأكله وشربه وهو في ذلك كله كالمصلي التالي للقرآن في صلاته الصائم المجتهد. ولذلك قلنا إن الفضائل لا تدرك بقياس وإنما هو تفضل من الله عز وجل(5). 2- وَفِيهِ استِعْمَال التشبيه والتَّمْثِيل فِي الْأَحْكَام. 3- وفيه دليل على أن الأعمال لا يزكو منها إلا ما صحبته النية والإخلاص لله عز وجل والإيمان به (6). 4- فضل الجهاد في سبيل الله وعلو منزلة المجاهدين. 5- قال ابن القيم –رحمه الله- : الجهاد أربع مراتب : جهاد النفس وجهاد الشيطان وجهاد الكفار وجهاد المنافقين. فجهاد النفس أربع مراتب أيضا : إحداها : أن يجاهدها على تعلم الهدى ودين الحق الذي لا فلاح لها ولا سعادة في معاشها ومعادها إلا به ومتى فاتها علمه شقيت في الدارين الثانية : أن يجاهدها على العمل به بعد علمه وإلا فمجرد العلم بلا عمل إن لم يضرها لم ينفعها الثالثة : أن يجاهدها على الدعوة إليه وتعليمه من لا يعلمه وإلا كان من الذين يكتمون ما أنزل الله من الهدى والبينات ولا ينفعه علمه ولا ينجيه من عذاب الله الرابعة : أن يجاهدها على الصبر على مشاق الدعوة إلى الله وأذى الخلق ويتحمل ذلك كله لله فإذا استكمل هذه المراتب الأربع صار من الربانيين فإن السلف مجمعون على أن العالم لا يستحق أن يسمى ربانيا حتى يعرف الحق ويعمل به ويعلمه فمن علم وعمل وعلم فذاك يدعى عظيما في ملكوت السماوات. وأما جهاد الشيطان فمرتبتان: إحداهما : جهاده على دفع ما يلقى إلى العبد من الشبهات والشكوك القادحة في الإيمان الثانية : جهاده على دفع ما يلقي إليه من الإرادات الفاسدة والشهوات فالجهاد الأول يكون بعده اليقين والثاني يكون بعده الصبر قال تعالى : ( وجعلنا منهم أئمة يهدون بأمرنا لما صبروا وكانوا بآياتنا يوقنون ) ( السجدة : 24 ) فأخبر أن إمامة الدين إنما تنال بالصبر واليقين فالصبر يدفع الشهوات والإرادات الفاسدة واليقين يدفع الشكوك والشبهات. وأما جهاد الكفار والمنافقين فأربع مراتب : بالقلب واللسان والمال والنفس وجهاد الكفار أخص باليد وجهاد المنافقين أخص باللسان وأما جهاد أرباب الظلم والبدع والمنكرات فثلاث مراتب : الأولى : باليد إذا قدر فإن عجز انتقل إلى اللسان فإن عجز جاهد بقلبه. فهذه ثلاثة عشر مرتبة من الجهاد و من مات ولم يغز ولم يحدث نفسه بالغزو مات على شعبة من النفاق(7).
-
تصلك هذه الرسالة لكونك مشتركاً في القائمة البريدية لموقع شبكة السنة النبوية وعلومها.
-
لإلغاء الإشتراك من القائمة البريدية يرجى الدخول إلى الصفحة الرئيسة لموقع شبكة السنة النبوية وعلومها:انقر هنا...
-
تصلك هذه الرسالة من بريد مخصص للإرسال فقط، إذا كان هناك أي استفسار أو تعليق انقر هنا...
-
لدعوة أصدقائك لزيارة موقعنا انقر هنا...
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق