1434/12/4
شروط الحج وأركانه(1)وواجباته ومستحباته.
إن حج بيت الله الحرام أحد أركان الإسلام الخمسة, فرضه الله على عباده المؤمنين مرة في العمر, ولوجوب هذه الفريضة هناك شروط لأدائها وأركان وواجبات ومستحبات فمن أراد الحج فعليه أن يتعلم هذه الشروط والأركان والواجبات والمستحبات حتى يأتي بهذه الفريضة بأكمل وجه ويتقبلها الله منه أعرضها على النحو الآتي بشيء من الإيجاز: أولاً: شروط الحج. الشرط الأول: الإسلام. لقوله تعالى: {إنما المشركون نجس فلا يقربوا المسجد الحرام بعد عامهم هذا} (2), ولأنه لا يقبل من المشرك عمل, وإنما يكون عمله يوم القيامة هباء منثورا, قال تعالى: {وقدمنا إلى ما عملوا من عمل فجعلناه هباءً منثورا} (3). الشرط الثاني: العقل: فالحج والعمرة لا يجبان على مجنون كسائر العبادات حتى يفيق, لقوله صلى الله عليه وسلم: (رفع القلم عن ثلاثة: عن النائم حتى يستيقظ وعن الصبي حتى يحتلم, وعن المجنون حتى يعقل) (4), ولأنه لا يتصور منه وجود نية الحج وقصده, وإنما الأعمال بالنيات. الشرط الثالث: البلوغ: فلا يجب على الصبي حتى يبلغ للحديث السابق, ولكن لو حج الصبي صح حجه ولا يجزئه عن حجة الإسلام, لحديث ابن عباس أن امرأة رفعت إلى النبي صلى الله عليه وسلم صبياً فقالت: ألهذا حج؟ قال: "نعم ولك أجر"(5), ولقوله صلى الله عليه وسلم. (أيما صبي حج ثم بلغ فعليه حجة أخرى, وأيما عبد حج ثم عتق فعليه حجة أخرى) (6), ولأن الطفل غير البالغ لا يطالب بالشرائع, وإن صح وقوعها منه, وأما علامات البلوغ فهي ثلاثة عند الذكور: الاحتلام, أو نبات شعر العانة, أو تمام خمسة عشر عاماً, ويزاد عليها أخرى عن الإناث وهي نزول دم الحيض. الشرط الرابع: كمال الحرية. فلا يجب الحج على المملوك, ولكنه لو حج فحجه صحيح, ولا يجزئه عن حجة الإسلام للحديث السابق. الشرط الخامس: الاستطاعة. فالحج إنما يجب على من استطاع إليه سبيلا بنص القرآن والسنة المستفيضة, وإجماع المسلمين ولكن لو حج غير المستطيع كان حجه مجزئاً, قال تعالى: {ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلاً ومن كفر فإن الله غني عن العالمين} (7). والاستطاعة أنواع: بدنية ومالية وغيرها. أما البدنية: فهي ألا يكون مريضاً مرضاً يمنعه من الحج, أو يشق عليه جداً, أو لا يستطيع السفر وتحمله. وأما المالية: فهي أن يجد من المال ما يلزمه للحج ويكون زائداً عن حاجته من مأكل ومشرب وملبس وقضاء دين ونحوه. ومن الاستطاعة القدرة للوصول إلى مكة, ولكل زمان ظروفه وأحواله وفي هذا الزمن الاستطاعة للحصول على التأشيرة وبلوغ سن معين عند بعض الدول ونحو ذلك. وهناك شرط خاص بالمرأة وهو: وجود المحرم. لقوله عليه الصلاة والسلام: (لا يخلون رجل بامرأة ولا تسافرن إلا ومعها محرم, فقام رجل فقال: يا رسول الله اكتتبت في غزوة كذا وكذا وخرجت امرأتي حاجّة؟ قال: اذهب فحج مع امرأتك) (8). ولا فرق بين كونه المرأة شابة أم عجوزا؟ وهل هي آمنة أم لا ؟ وهل معها نسوة ثقات أم لا؟ فدل على عدم اشتراط شيء من هذا, وهذا من فضل الله عليها إذ لو لم يشترط في حقها هذا الشرط لكان في ذلك حرج شديد عليها ولكن هذا الدين بني على التيسير فالتي لا تجد محرماً لا يجب عليها الحج. ثانياً: أركان الحج: وهي أربعة: الأول: الإحرام: وهو نية الدخول في النسك, لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (إنما الأعمال بالنيات ولكل امرئ ما نوى فمن كانت هجرته إلى دنيا يصيبها أو إلى امرأة ينكحها فهجرته إلى ما هاجر إليه) (9), ويخطئ كثير من الناس حيث يعتقدون أن الإحرام هو التجرد من المخيط, وهو واجب من واجبات الإحرام على من تركه فدية فقط, إما أن يذبح شاة, أو يصوم ثلاثة أيام, أو يطعم ستة مساكين, ومن أهل العلم من جعل نية الدخول في النسك شرطاً وليست ركناً لكن الأقرب أنه ركن والله أعلم. الثاني: الوقوف بعرفة: وهو الركن الثاني من أركان الحج, وهو أصل الحج وأُسُّه وقد جاء ذكره في الكتاب, قال تعالى: {فإذا أفضتم من عرفات فاذكروا الله عند المشعر الحرام}, وقال النبي صلى الله عليه وسلم: (الحج عرفة) (10), ووقته عند الجمهور من طلوع فجر يوم عرفة قبل الزوال, ولا يتحرك منها إلا بعد غروب الشمس(11). وعرفة كلها موقف, وليحذر الحاج الوقوف بوادي عُرنة, وله أن يقيل فيه, ولكن لابد له أن يتحرك منه بعد الزوال, وفي عرفة يقصر ويجمع بين صلاتي الظهر والعصر جمع تقديم, ولا يصلي الحاج صلاة المغرب إلا بمزدلفة حين يصل إليها ويجمع معها. الثالث: طواف الإفاضة ويسمى الزيارة: وهو الطواف الركن,وقد جاء ذكره في الكتاب,قال تعالى: {ثم ليقضوا تفثهم وليوفوا نذورهم وليطوفوا بالبيت العتيق}(12), ووقته من صباح يوم العيد ولا حد لآخره, والأفضل أن يعمل يوم العيد, ومن لم يتمكن ففي أيام التشريق, وليجتهد ألا يتعدى به نهاية ذي الحاجة إلا لعذر. الرابع: السعي بين الصفا والمروة. وهو يقع بعد طواف الإفاضة, أو أي طواف آخر, وللمفرد و القارن أن يقدماه مع طواف القدوم, قال النووي: (باب بيان أن السعي بين الصفا والمرة ركن لا يصح الحج إلا به) وهو مذهب جماهير العلماء من الصحابة والتابعين ومن بعدهم ودليل الجمهور أن النبي صلى الله عليه وسلم سعى, وقال: "خذوا عني مناسككم" والمشروع سعي واحد, والأفضل أن يكون بعد طواف القدوم, ويجوز تأخيره إلى ما بعد طواف الإفاضة, ومن أهل العلم من جعله واجباً من الواجبات وليس ركناً, لكن الأقرب أنه ركن. ثالثاً: واجبات الحج: الواجبات جمع واجب, والواجب في فريضة الحج بالذات هو ما لو تركه الحاج لا يبطل حجه, ولكنه يأثم بتركه عمداً, ويجب عليه دم, وواجبات الحج سبعة: الأول: الإحرام من الميقات لمن كان خارجه,وهو واجب باتفاق العلماء, والمراد هنا الميقات المكاني, فمن عبر الميقات بدون إحرام فإن الواجب عليه ذبح شاة, وقد كان ابن عباس يرد من جاوز الميقات بدون إحرام حتى يحرم منه. والمواقيت التي وقتها الرسول صلى الله عليه وسلم خمسة: الأول: ذو الحليفة وهو ميقات أهل المدينة ويسمى اليوم بأبيار علي, وهو جنوب المدينة المنورة. الثاني: الجحفة وهو ميقات أهل الشام ومصر والمغرب ويحرم الناس اليوم من رابغ وهي قريبة من الجحفة على طريق المدينة بحوالي مائتين كيلو متر. الثالث: يلملم وهو ميقات أهل اليمن ويسمى السعدية ويبعد عن مكة شرقاً بحوالي ثمانين كيلو متر وفي الشمال الشرقي من مكة على بعد خمسة وثمانين كيلو متر. الرابع: قرن المنازل وهو ميقات أهل نجد وهو ويسمى السيل الكبير. الخامس: ذات عرق وهو ميقات أهل العراق وأهل المشرق, وهو ويسمى الضريبة. فهذه المواقيت لا يجوز للإنسان أن يتجاوزها إلا بالإحرام إذا كان قاصداً الحج والعمرة, فلو تجاوزها تجاوز الميقات ولو بمسافة قليلة, فإنه يجب عليه أن يرجع قبل أن يحرم من الميقات, فإن رجع وأحرم من الميقات فلا شيء عليه, وإن أحرم بعد أن تجاوزها فعليه دم شاة يذبحها في مكة ويوزعها على مساكين الحرم ولا يأكل منها شيء وحجه صحيح. الثاني: الوقوف بعرفة إلى غروب الشمس, فيأخذ جزءاً من الليل وإن انصرف إلى مزدلفة قبل غروب الشمس ولم يرجع, فقد ترك واجباً من واجبات الحج. الثالث: المبيت بمزدلفة ليلة العيد والمبيت, معناها أن يوجد على أرض مزدلفة أكثر من نصف الليل, فإن خرج من مزدلفة قبل نصف الليل فعليه أن يرجع في آخر الليل, فإن لم يرجع فعليه دم لأنه ترك واجباً من واجبات الحج. الرابع: المبيت بمنى ليلة الحادي عشر والثاني عشر أكثر من نصف الليل بمعنى أنه يوجد على أرض منى أكثر من نصف الليل. الخامس: رمي الجمار فإذا ترك رمي الجمار سواء أو بعضها فإنه يعيده في أيام التشريق الثلاثة, فإن مضت أيام التشريق الثلاثة ولم يرم فإنه يكون ترك واجباً من واجبات الحج. السادس: الحلق أو التقصير يجب على الحاج أن يحلق رأسه أو يقصر من جميع الجهات والحلق أفضل لأن النبي صلى الله عليه وسلم دعا للمحلقين ثلاثاًَ ودعا للمقصرين مرة واحدة والمرأة تقصر قدر أنملة من شعر رأسها, فإذا لم يحلق أو يقصر فإنه يكون ترك واجباً من واجبات الحج. السابع: طواف الوداع على الحاج أن يطوف سبعة أشواط بالبيت عند مغادرته مكة, فإن غادر مكة ولم يطف للوداع فإنه يكون ترك واجباً من واجبات الحج إلا أن تكون امرأة أصابها الحيض أو النفاس. ***** والأركان الأربع لا تسقط لا سهواً ولا عمداً ولا تجبر بدم, فلابد من الإتيان بها, أما الواجبات فإنها تجبر بدم, وما عدا ذلك فهي سنة, سنة قولية أو سنة فعلية. فإن عجز عن الدم انتقل إلى الصوم, فيصوم عشرة أيام قياساً على التمتع, ودليل ذلك ما جاء عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال: (من نسى نسكه شيئاً أو تركه فليهرق دماً) (13). سنن الحج: والسنن كثرة ولله الحمد ومنها: 1- أن يحرم الرجل في إزار ورداء أبيضين, أما المرأة فلها أن تحرم في أي لون شاءت, والأفضل لها غير البياض, فإن لم يجد الرجل الثياب البيض فله أن يحرم في أي لون وجد, و يلبس المحرم النعلين فإن لم يجد الإزار لبس السراويل, وإن لم يجد النعال لبس الخف أو الحذاء فقط ولا يقطعه. 2- أن يغتسل لإحرامه ولو كانت المرأة حائضاً أو نفساء. 3- أن يحرم عقب صلاة مكتوبة, فإن لم يتمكن أحرم عقب ركعتين. 4- أن يغتسل لدخول مكة وكذلك يوم عرفة. 5- في الطواف يستلم الركنين الحجر الأسود, والركن اليماني إن تمكن, وإلا أشار إليهما. 6- يقول عند بداية كل شوط: بسم الله والله أكبر. 7- يدعو بين الركنين بـ اللهم ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار, وليحذر كل الحذر كتب الأدعية, وعليه أن يشتغل بما تيسر له من ذكر الله, ومن الدعاء له ولإخوانه المسلمين. 8- له أن يشترط عند إحرامه إذا كان هناك داع للاشتراط كمرض ونحوه بأن يقول: "اللهم محلي حيث حبستني" فإن حبسه حابس تحلل من غير هدي إحصار. 9- أفضل الحج الثج وهو كثرة الذبح, والعج وهو رفع الصوت بالتلبية للرجال. 10- الإكثار من الذكر وتلاوة القرآن الكريم والتصدق على الفقراء والمساكين, وخدمة الحجاج بأي نوع من أنواع الخدمة. 11- أن يتضلع من ماء زمزم. 12- أن يلتقط الجمار لجمرة العقبة فقط من مزدلفة. 13- أن يكثر من الذكر والدعاء وقول لإله إلا الله وحده لا شريك له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير, يوم عرفة, وفي سائر أيام الحج ولياليه. 14- أن يدعو بعد رمي الجمرة الصغرى والوسطى أيام التشريق. ***** هذا موجز ما في الحج من شروط وواجبات ومستحبات, فعلى الحاج أن يحرص كل الحرص على أن يأتي بها على أكمل وجه, وأن يتعلمها قبل أن يتوجه إلى مكة لأداء هذا الركن العظيم حتى يكون حجاً مبروراً. ***** (1) الفرق بين الشرط والركن أن الشرط يسبق العمل أما الركن فهو جزء من العمل. (2)التوبة: 28. (3) الفرقان: 23. (4) أخرجه أبو داود( 4: 244, رقم 4403 ) والنسائي( 6: 106 ،رقم 3432) وغيرهما. وهو حديث صحيح. (5) صحيح مسلم(2: 974 ، رقم 1336). (6) أخرجه ابن خزيمة في صحيحه(4: 349 رقم 3050)، والحاكم في المستدرك(1: 481 رقم 1769)، والبيهقي في السنن(4: 325 رقم 8875). قال الحاكم: صحيح على شرط البخاري ومسلم. (7) آل عمران: 97. (8) صحيح البخاري(11: 39، رقم 3006), وصحيح مسلم(2: 978 رقم 1341). (9) صحيح البخاري( 1: 6 رقم 1). وصحيح مسلم(3: 1515 رقم 1907). (10) سنن النسائي( 5: 256 رقم 3016)، والترمذي(3: 236 رقم :889). (11) ينظر تفصيل ذلك في كتابي يوم عرفة حكم وأحكام. (12) الحج: 29. (13) أخرجه مالك في الموطأ( 1: 419 رقم 940)، واليهقي في سننه( 5: 175 رقم 9606).وإسناده صحيح عن ابن عباس موقوفاً.
-
تصلك هذه الرسالة لكونك مشتركاً في القائمة البريدية لموقع شبكة السنة النبوية وعلومها.
-
لإلغاء الإشتراك من القائمة البريدية يرجى الدخول إلى الصفحة الرئيسة لموقع شبكة السنة النبوية وعلومها:انقر هنا...
-
تصلك هذه الرسالة من بريد مخصص للإرسال فقط، إذا كان هناك أي استفسار أو تعليق انقر هنا...
-
لدعوة أصدقائك لزيارة موقعنا انقر هنا...
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق