1434/9/11
رمضان وصناعة المعروف بقلم المشرف العام على شبكة السنة النبوية وعلومها الأستاذ الدكتور فالح بن محمد الصغير لقد خلق الله سبحانه وتعالى الإنسان في هذه الحياة وحمله الأمانة والتكليف ، ويسر له من السبل والوسائل ما يعينه على القيام بها. ومن أهم تلك الوسائل ما منحه الله سبحانه وتعالى من قدرات وإمكانات تجعله قادراً على أن يقوم بأصل التكليف ، وفي الوقت نفسه ما يمكن أن يكون مبدعاً فيه ، ويدخل في هذه القدرات ما يتعلق بالقدرات العقلية والجسدية ، مما هو داخل في التكفير نحو الأعمال الإيجابية الكثيرة والتخطيط لها ، أو مما يدخل في دائرة الأعمال سواءً كانت أعمالاً قلبية عبادية كالتوكل والخوف والرجاء والمحبة والاستعانة والاستغاثة وغيرها أو دائرة أعمال الجوارح كالصلوات والزكوات والصيام والحج والعمرة وسائر الأعمال. ومن الوسائل ما منحه الله سبحانه وتعالى عباده مما يتعلق بالفرص الزمانية والمكانية مما تكون ميداناً فسيحاً للمنافسة في الاستفادة من الفرص العظيمة التي يمكن للمرء أن يسجل فيها أرقاماً قياسية للاستفادة منها . * * * ومن أعظمها شهر رمضان المبارك ، رمضان من حيث هو زمان يعادل في الزمن 12:1 فهو نسبة عالية إذا ما أبدع فيه المؤمن وحاول أن يستفيد منه بقدر ما منحه الله جل وعلا وهنا – ونحن في بداية الشهر المبارك – يمكن أن ألمح إلى بعض المنح الرمضانية التي يستطيع فيها الكبير والصغير ، والذكر والأنثى ، والغني والفقير ، والصحيح والمريض ، والرئيس والمرؤوس أن يسهم اسهامات كبيرة وعظيمة وذلك في مجال صناعة الخير والمعروف والمبادرةإليه من أول ليلة يطلّ فيها هذا الشهر المبارك ، وذلك من خلال المعالم المنهجية الآتية :- المعلم الأول : تجديد الشعور بمهمة الإنسان في هذه الحياة ، وأن الله جل وعلا جعله محل القيام بالتكليف والأمانة والمسؤولية متذكراً قوله تعالى : {إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَن يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُوماً جَهُولاً}الأحزاب72 . من شأن هذا الشعور أن يوجد دافعاً قوياً ، وحافزاً نشطاً لتحمل التكاليف ، والقيام بها ، واستشعار آثار ذلك في الدنيا والآخرة ، فيسابق الزمن للأعمال الصالحة المتنوعة . المعلم الثاني : ادراك أهمية الشهر وما أعده الله سبحانه وتعالى لعباده الايجابيين صياماً وقياماً وانفاقاً وبراً واحساناً ومحبة واحتراماً ، ودعاء وذكراً . إن ادراك هذه الأهمية يورث اقبالاً على محبة الشهر والأعمال فيه ، ألا ترى أخي الكريم كيف كان النبي – صلى الله عليه سلم - يحفز أصحابه رضوان الله عليهم عند دخول شهر رمضان مثل قوله - صلى الله عليه وسلم - في الحديث المشهور الذي عدد فيه تضاعف الحسنات حتى قال : ( إلا الصوم فإنه لي وأنا أجزي به ) وقوله – صلى الله عليه وسلم - عن رمضان : ( تفتح فيه أبواب الجنان ، وتغلق فيه أبواب النيران ، وتصفد الشياطين فيا باغي الخير أقبل ، ويا باغي الشر أقصر ). عندما يستشعر المسلم وهو في بداية الشهر هذه المحفزات والفضائل والآثار العظيمة سيجد إقبالاً من نفسه على الأعمال الكبرى والمحافظة عليها وسينافس غيره في كل ما يستطيع ، ومن هنا يتوجب على المسلم أن يجدد هذا الشعور بالأهمية الكبرى لهذا الشهر وما أوجب الله فيه من العبادات وما شرعه من القربات والطاعات . المعلم الثالث : التأمل والمحاسبة والتقويم في بداية الشهر وأقصد تقويم أعمال الإنسان لنفسه فما كان منها خير يحمد الله تعالى عليه ، وما كان غير ذلك فيصححه ، وهذا التأمل يجعل المسلم يحدد نقطة البداية القوية فيسير مع الله تعالى في هذا الشهر الكريم وصفحته بيضاء ، وقد عزم على المواصلة في الأعمال الخيرية من فرائض ومستحبات ، والتوبة عن الخطايا و الآثام . المعلم الرابع : البرمجة للأعمال ، سواءً كانت الأعمال نفسها أو توزيعها على الوقت مثل : - أن يحرص على الالتزام بالفرائض كالصلاة ، والزكاة ، والصيام ، أو الواجبات الأخرى كبر الوالدين وصلة الأرحام . - أن يسجل الأعمال التي يمكن أن يقوم بها وتكون متنوعة بحيث ينال نصيباً من كل فضيلة ، ويحرص على ما كان يحرص عليه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في هذا الشهر ، مثل صلاة التراويح ، والانفاق ، والاعتكاف ، والاحسان إلى الآخرين ، وقراءة القرآن الكريم ومراجعته . - أن يحدد الأولويات فلا يقدم أمراً مستحباً على أمر واجب ولا يقدم أمراً لا يستطيعه على أمر يستطيعه . - أن يوزع الأعمال فهناك أعمال يقصر نفعها على الإنسان ذاته كقراءة القرآن الكريم والذكر والصلاة ، فعليه أن ينال نصيباً منها ، وهناك أعمال يتعدى نفعها للآخرين كالانفاق وتعليم العلم والتوجيه والنصح ، وتفطير الصائمين وغيرها فيجعل له نصيباً منها . - أن يقوم بالأعمال الخاصة كالأعمال الوظيفية وغيرها ، ويجعل للأسرة نصيباً كبيراً فرمضان مدرسة وأي مدرسة فيفطر مع أهله وأولاده ويتسحر معهم ويقرأ القرآن معهم ويدعو وإياهم ويحافظ على أوقاتهم ، ويشجعهم على أفعال الخير ، ويورث مجالات التنافس بينهم وغير ذلك . إن مقتضى هذه البرمجة أن تسهل الأعمال على الإنسان ، وتجعله مشاركاً في ميادين مختلفة ، مبتعداً عن التوتر والضغوط النفسية . المعلم الخامس : استشعار الأجر والمثوبة في كل عمل ، وإن شئت قل : مصاحبة الإخلاص لله سبحانه ، وتجديده ، ورجاء ثوابه هذا الإخلاص - كما هو شرط في صحة العبادة - إلا أنه من أكبر دوافع المسيرة الإيجابية نحو البناء الكبير ، ومعالجة التقصير والنصوص في هذا أكثر من أن تحصر يكفي قوله تعالى : {فَاعْبُدِ اللَّهَ مُخْلِصاً لَّهُ الدِّينَ}الزمر2، وقوله تعالى : {فَادْعُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ }غافر14 . إن هذا الإخلاص من شأنه تصفية ما يشوب القلوب من الأوساخ والأدران المعكرة على قبول الأعمال ، فيورث ذلك طمأنينته ، وسكينة ، وإقبالاً ، وتشجيعاً على جميع أنواع المعروف والخير. المعلم السادس : تقوية الارادة نحو المعروف والخير ، واضعاف ارادة الشر ، وذلك بعدة مسائل منها : - اللجوء إلى الله تعالى بالدعاء الصادق بالإعانة والتوفيق والتسديد ، وإصابة الحق ، والاعاذة من شياطين الإنس والجن . - كثرة ذكر الله تعالى الذي هو مقصود العبادات كلها والله جل وعلا قال عن الدعاء :{ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ}غافر60، وقال عن الذكر : {فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ}البقرة152 . - المبادرة نحو كل عمل ولو بالقليل لأن الخطوات الكبرى لا تأتي إلا مروراً بالخطوات الصغرى ، ومن أراد حيازة المعروف ، والقيادة فيه فليبادر ولو كان بالعمل القليل فربما كان هذا العمل القليل أعظم عند الله تعالى من أعمال هي كبيرة عند الناس ، وقد قال عليه الصلاة والسلام : ( رب درهم سبق ألف درهم ) . * * * هذه جملة من المعالم أحسب أنها ما اجتمعت في مسلم إلا كان من السابقين المبادرين الذين يصنعون المعروف ويكونون قدوات في الخير ، ومدارس رمضانية متحركة لهم أجور من يتبعهم ، وبخاصة في هذا الشهر المبارك التي تتضاعف الحسنة إلى سبعين ألف حسنة إلى أضعاف كثيرة ، وإن من الخير العظيم أن يفتتح المسلم شهره الكريم ، بل ويستقبله بهذه المعالم المهمة فيكون من السابقين المبادرين المنافسين ، ومن الغبن والخسارة أن يأتي هذا الشهر المبارك وبعض المسلمين لا يأبه به ، أو يجعله كغيره من الشهور ، أو ما هو أشد ممن يتذمر منه ... فهؤلاء وأمثالهم ممن يتأخرون عن الركب وقد يسقطون في الطريق والعياذ بالله. * * * بارك الله تعالى لي ولكم في هذا الشهر المبارك ، وأعاننا على حسن الصيام والقيام، والتقرب إليه بالقربات والطاعات وأن يتقبله منا ، وأن يجعله شهر نصر وعز وتمكين للإسلام والمسلمين ، وشهر نشر للخير والفضيلة في أنحاء المعمورة ودمتم صائمين قائمين . وصلى الله وسلم على نبينا محمد...
-
تصلك هذه الرسالة لكونك مشتركاً في القائمة البريدية لموقع شبكة السنة النبوية وعلومها.
-
لإلغاء الإشتراك من القائمة البريدية يرجى الدخول إلى الصفحة الرئيسة لموقع شبكة السنة النبوية وعلومها:انقر هنا...
-
تصلك هذه الرسالة من بريد مخصص للإرسال فقط، إذا كان هناك أي استفسار أو تعليق انقر هنا...
-
لدعوة أصدقائك لزيارة موقعنا انقر هنا...
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق