1434/9/14
الدرس الرابع/ من مفسدات الصيام الحمد لله حمداً طيباً مباركاً فيه كما يحب ربنا جل وعلا ويرضى، وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وأصحابه أولي الألباب والنهى، وعلى من سار على أثرهم واقتفى، أمى بعد... أيها المسلمون: تقبل الله صيامكم وقيامكم، وجعلنا وإياكم من المقبولين في هذا الشهر الكريم، وقد تحدثنا في الدرس السابق عن شروط الصوم، وعرفنا أن الصوم لا بد له من نية تسبقه وأن يكون الصائم مسلماً بالغاً عاقلاً قادراً على الصيام، وأن يمسك عن المفطرات من طلوع الفجر الثاني إلى غروب الشمس. وفي هذا الدرس نستعرض المفطرات التي تفطر الصائم، وقد ذكر الله عز وجل اصول هذه المفطرات بقوله سبحانه: (فالآن باشروهن وابتغوا ما كتب الله لكم وكلوا واشربوا حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر ثم أتمو الصيام إلى الليل)(1). ففي هذه الآية بيان لأصول المفطرات التي لا يجوز لأي صائم تناولها من غير عذر شرعي وذلك لما رواه أصحاب السنن وغيرهم عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (من أفطر يومً من رمضان من غير رخصة ولا مرض لم يقضه صوم الدهر وإن صامه)(2). وهذه المفطرات هي: أولاً: الأكل والشرب وهو إيصال الطعام أو الشراب إلى الجوف من طريق الفم أو الأنف أياً كان نوع الأكل أو الشرب بعد طلوع الفجر الثاني إلى غروب الشمس وذلك لقوله تعالى: (وكلوا واشربوا حتى يتبين الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر، ثم أتموا الصيام إلى الليل)(3). ويدخل في حكم الأكل والشرب ما كان في معناهما من الإبر المغذية أو الحقن في الجوف بأي طريق ونحو ذلك. ثانياً: الجماع وهو أعظم المفطرات وأكبرها إثماً وأشدها جرماً، فمن جامع امبرأته في نهار رمضان فقد ارتكب إثماً عظيماً ويبطل صومه فرضاً كان أو نفلاً وإن كان الصيام فرضاً فيجب عليه مع القضاء الكفارة المغلظة وهي عتق رقبة مؤمنة فإن لم يجد فصيام شهرين متتابعين لا يفطر بينهما إلا لعذر شرعي، فإن لم يستطع فإطعام ستين مسكيناً. ثالثاً: إنزال المني باختياره عن طريق التقبيل أو اللمس أو الإستمناء، أو غير ذلك، قال أهل العلم: لأن هذا من الشهوة التي لا يكون الصوم إلا باجتنابها كما جاء في الحديث القدسي: (يدع طعامه وشرابه وشهوته من أجلي) رواه البخاري(4). وينبغي أن نلحظ هنا أمرين أساسيين يقع فيهما الخطأ من بعض الناس هما: الأمر الأول: أن التقبيل واللمس بدون إنزال لا يفطر لما جاء في الصحيحين من حديث عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقبّل وهو صائم ويباشر وهو صائم، ولكنه كان أملككم لإربه)(5)، لكن إن كان الصائم يخشى على نفسه حين يقبل أو يباشر من الإنزال أو لا يملك شهوته فيجامع حينئذ فينبغي لمثل هذا أن يتجنب هذه الأمور ونحوها كالنظر صيانة لصيامه عن الفساد. الأمر الثاني: أن الإنزال بالاحتلام، أو بالتفكير المجرد عن العمل لا يفطر لأن الاحتلام يكون بغير اختيار الصائم، وأما التفكير فذكر بعض أهل العلم أنه معفو عنه. لقول الرسول صلى الله عليه وسلم في الحديث: (إن الله تجاوز عن أمتي ما حدثت به أنفسها مالم تعمل أو تتكلم)(6)، متفق عليه. رابعاً: ومن الأمور المفطرة: إخراج الدم بالحجامة وما في معنى الحجامة كالفصد ونحوه وعلى هذا لا يجوز للصائم أن يحجم ذلك لما روى أحمد وأبو داود وغيرهما عن شداد بن أوس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (أفطر الحاجم والمحجوم)(7)، وفي معنى الحجامة سحب الدم الكثير للتبرع به ونحوه، أما سحب الدم القليل كما يكون للتحليل فلا يفطر لأنه ليس بمعنى الحجامة. ومما ينبغي أن يلحظ هنا أن خروج الدم بالرعاف وما لا قصد فيه لا يؤثر إن شاء الله على الصوم لأنه ليس بحجامة ولا في معناها. خامساً: خروج دم الحيض والنفاس وذلك لقول النبي صلى الله عليه وسلم في المرأة أليس إذا حاضت لم تصل ولم تصم؟(8)وعلى هذا فمتى رأت المرأة دم الحيض أو النفاس فسد صومها سواء كان في أول النهار أم في آخره ولو قبيل الغروب. سادساً: التقيئ عمداً، والمراد به إخراج ما في المعدة من الطعام أو الشراب عن طريق الفم، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (من ذرعه القيء فليس عليه قضاء، ومن استقاء عمداً فليقض)(9)، رواه الخمسى إلا النسائي وصححه الحاكم. ويفهم من الحديث أنه لا يفطر إلا إذا تعمد القيئ لكنه إذا لم يتعمده وغلبه على ذلك القيء فلا يفطر والحمد لله على يسر الإسلام وسهولته. أيها الأخوة، هذه هي مفسدات الصوم ومفطراته التي يحرم على الصائم ارتكابها إذا كان صومه واجباً كصوم رمضان وصوم الكفارة إلا إذا كان له عذر يبيح الفطر لأن من تلبس بواجب لزمه إتمامه، أما إن كان صومه تطوعاً فإنه ينبغي له عدم الإفطار لكن إن أفطر فيجوز له ذلك ولو بدون عذر. أيها الأخوة الصائمون، احفظوا صيامكم من هذه المفسدات وغيرها، وتجنبوا عموم المعاصي والمحرمات، وتعرضوا في هذا الشهر الكريم لنفحات فاطر الأرض والسموات فإنه عظيم العطايا وجزيل الهبات، وللحديث بقيّة عن المفطرات إن شاء الله. وأسأل الله جل وعلا أن يتفضل علينا بالفضل والإحسان وأن يعاملنا بالعفو والغفران إنه سميع مجيب وهو المستعان، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
-
تصلك هذه الرسالة لكونك مشتركاً في القائمة البريدية لموقع شبكة السنة النبوية وعلومها.
-
لإلغاء الإشتراك من القائمة البريدية يرجى الدخول إلى الصفحة الرئيسة لموقع شبكة السنة النبوية وعلومها:انقر هنا...
-
تصلك هذه الرسالة من بريد مخصص للإرسال فقط، إذا كان هناك أي استفسار أو تعليق انقر هنا...
-
لدعوة أصدقائك لزيارة موقعنا انقر هنا...
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق